Site icon IMLebanon

في “التلازم” المصيري!

 

لن تنتهي “محاولات” بشار الأسد في لبنان قبل أن تنتهي بقايا سلطته في سوريا.. “التلازم” عضوي ومُحكم وجزء من “ثقافة” بنى عليها الأسد الأب سياسته اللبنانية والفلسطينية والأردنية، فنجح بين “المنكوبين” وفشل بين الأردنيين، قبل أن يأتي الابن ويثبّت فشلاً مثلّث الأضلاع سُرعان ما ربّعه في سوريا نفسها!

 

نكبة اللبنانيين والفلسطينيين مكّنت النظام الأسدي من لعب أدوار كبرى وتقريرية في مصير الشعبين والكيانين: الدولة ومؤسساتها وبُناها وأهلها لبنانياً، ومنظمة التحرير وأدواتها فلسطينياً.. والاستراتيجية الشاملة والعامة التي اتّبعت في ظل الحساسية المفرطة إزاء شعار “القرار الوطني المستقل” اشترطت شعاراً موازياً هو ضرب الأسس السيادية التي يقف عليها ويستند إليها أهل الكيانين اللبناني والفلسطيني، شرعياً وشارعياً ومن دون هوادة ولا لحظة تردّد، ومن دون توفير أي أسلوب ممكن وغير ممكن.

 

لم تنجح محاولاته للتأثير الوصائي على الأردن بسبب قوة الدولة والنظام وثبات قواعدهما ورسوخهما بين عموم الأردنيين.. لكن ذلك لم يمنع تكرار تلك المحاولات، و”تجربة” مفاعيلها ما أدى في أحيان كثيرة إلى توتّرات كادت تصل إلى نقطة الحرب وتخرج من مدارات السياسة والأمن!

 

نجح الأردن في حفظ سيادته وأمنه واستقراره في حرز أمني من طموحات النظام الأسدي، لكن اللبنانيين، والفلسطينيين في لبنان وسوريا، دفعوا باللحم الحيّ أثمان تلك الطموحات، واكتشفوا تماماً المعنى العميق لنظرية “التوازن الاستراتيجي” التي اعتمدها الأسد الأب في سياق النزاع مع إسرائيل! حيث أن هذه لم تكن تعني توازناً سلاحياً (مستحيلاً في كل حال) بل تماثلاً في المفهوم الجذري لا يعني شيئاً سوى وضع اليد على لبنان والكيان السياسي والتنظيمي للفلسطينيين في الشتات، تماماً مثلما تضع إسرائيل يدها على الأرض في فلسطين أساساً وبعض “ضواحيها” إذا أمكن ومن ضمن ذلك مرتفعات الجولان تحديداً وخصوصاً!

 

“التوازن” المطلوب بين “إسرائيل الصغرى” و”سوريا الكبرى”، كان يعني نسيان القضية الفلسطينية الأمّ، ثم اعتباره البديل الوحيد من المسّ بالركائز الاستراتيجية للخريطة الإسرائيلية المستجدّة منذ عام 1948! لكن “النتيجة” لم تكن متماثلة حتى في تطوّرها العكسي الذي أطلقته عملية السلام غداة انتهاء الحرب الباردة ومعاركها المتفرقة: تقلّصت الخريطة الإسرائيلية إلى الداخل بدل أن تستمر في التوسّع الخارجي لكن بما أوصل (حتى الآن) إلى “رسوخ” الكيان وازدياد قوّته.. في حين أن “استراتيجية الأسد” أفضت إلى تثبيت خسارة الجولان من دون الفوز التام لا بلبنان ولا بالقرار الفلسطيني وصولاً إلى اندحار النظام في سوريا نفسها! وانكسار الدولة ومؤسساتها وبناها الفوقية والتحتية انكساراً بعيد المدى ومستحيل الترميم.

 

.. ما يفعله أو يحاوله الأسد الابن في لبنان تهتّكي وعبثي وآتٍ من جذور نظرية الأب الاحتوائية والوصائية أساساً، لكن الذروة في ذلك التهتك وتلك العبثية تكمن تماماً في مواصلة الافتراض أن له تأثيراً ما عندنا، أو سلطة مدّعاة في وقت لم يعد لديه لا ذلك التأثير ولا تلك السلطة في سوريا نفسها! علماً أن بقايا الأمرين في البلدين مربوطين بحبال إيرانية – روسية هناك، وإيرانية عبر “حزب الله”، هنا!!