Site icon IMLebanon

في الاتهام ونقضه!

 

يحقّ لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن يردّ فوراً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وينفي تماماً أن تكون طهران تملك مخازن سرّية تخفي فيها مواد نووية.. لكن لم يكلّف أحد نفسه في قيادة “حزب الله” لنفي ما أورده نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن مواقع في بيروت “لبناء الصواريخ”!

 

يُفهم أن يتحسّب الحزب للأفخاخ الإسرائيلية وأن لا يردّ على كل إتهام يوجّه إليه.. وهو في كل حال مارَس هذا الأداء منذ بداياته وأثناء المواجهات المفتوحة في المنطقة الجنوبية التي كانت محتلّة. ودأب على عدم التورّط لا في النفي ولا في التأكيد. وتكتيكه بهذا المعنى نجح في إبقاء الإبهام والالتباس والتخمين وضرب الأخماس بالأسداس في شأن “عدد” الصواريخ التي صارت في حوزته.. وكانت فلتة محسوبة قولة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في واحدة من طلاّته الأخيرة، أن حزبه يملك “صواريخ دقيقة” علماً أن هذا الإفصاح يمكن وضعه في سياقه السوري أكثر من اللبناني أو الحزبي. أي أن نصرالله يقول للإسرائيليين أن غاراتهم الجوّية المتكرّرة والعنيفة على مواقع ومخازن وقوافل في الداخل السوري تحت حجّة منع انتقال أسلحة “متطورة” إلى لبنان، لم تنفع في منع ذلك التطوّر من الحصول.. والدليل هو أن الأمين العام بنفسه يؤكد ذلك!

 

على أن المستجدّ الراهن لا يتّصل بالحساسية الأمنية والعوالم السفلية للمواجهة مع الإسرائيليين، بل بشيء آخر مختلف تماماً ولا يلحظه “حزب الله” في أدائه برغم أن وزيراً مثل جواد ظريف يلحظه فوراً.. وذلك “الشيء” يتصل بالناس والاستراتيجيات الضامنة للأمن القومي أو المشكّلة له: الوزير الإيراني ينفي الاتهام الإسرائيلي “النووي” من زاوية التزامه التام بالمصلحة الإيرانية العليا. ويعرف أن حساسية الأمر أبعد من مطوّلات التعبئة والاستنفار والنزال، بحيث أنّ طهران تخوض حرباً سياسية وديبلوماسية واسعة النطاق لتأكيد “صدقية” التزامها الاتفاق النووي الموقّع مع الدول الخمس الكبرى وألمانيا، والذي انسحبت منه واشنطن.

 

الأمر السهل في الأدلجة والكلام الفاضي والفارغ هو أن “تصمت” طهران أمام الاتهام الذي أطلقه نتنياهو. أو أن تعتبر ذلك الاتهام علامة إيجابية في صالحها طالما أنه يأتي من “زعيم صهيوني” عتعيت ومتطرّف! لكن مقتضيات المعركة الراهنة لتثبيت الالتزام بـ”الاتفاق النووي” اقتضت وتقتضي ملاقاة الاتهام بالنفي الفوري! وهذا له تتمة حتميّة. بمعنى أن المواقع التي قال نتنياهو أنها مخابئ سرّية حول طهران لتخزين المواد النووية، يمكن أن تفتح أمام المحققين الدوليين التابعين لمنظمة حظر الأسلحة النووية من أجل التحقق منها!

 

واللوجستيات ليست شغلتنا وإنما الإطار العام للموضوع. وهذا يدلّ على أنّ طهران تجيز لنفسها ما لا تجيزه لأتباعها. وتسعى إلى احتواء أي معطى قد يؤثر سلباً على مصالحها الذاتية و”أمنها القومي” واستقرارها الداخلي بالطرق التي تراها مناسبة وعملية وخارج منظومة الأدلجة الجهادية برمّتها! في حين أن ملحقاتها وأتباعها في مكان آخر!

 

يمكن بهذا المعنى المباشر أن يُطرق الموضوع الخاص باتهام “حزب الله” بإنشاء مصانع صواريخ داخل أو في جوار الأحياء السكنية في بيروت وضاحيتها من زاوية مباشرة تتصل بالبعد المدني بشراً وحجراً. وفي هذه “اللعبة” الدقيقة والخطيرة ليس المطلوب التورّط في النفي أو التأكيد.. ولا كشف أسرار كبيرة وخطيرة، بل التصرف بمسؤولية تامة إزاء أمن البيئة المدنية المقصودة والمرفق الجوي الوحيد بين لبنان والعالم الذي هو “مطار رفيق الحريري الدولي”!

 

“لا تحتاج إسرائيل إلى ذرائع لشنّ اعتداءاتها” نظرية صحيحة لكنها نسبية. و”الخرائط” التي عرضها نتنياهو أمام العالم هي تنصّل مسبق (أو محاولة ذلك) من المسؤولية عن ارتكاب مجزرة في حق اللبنانيين في أي حرب، أو معركة محتملة! وليس عيباً ولا نقيصة “جهادية” تسفيه الاتهام الإسرائيلي وإظهار مسؤولية ذاتية تجاه البيئة المدنية ومرافق الدولة وبُناها التحتية ومطارها الدولي والطرق الواصلة إليه.. ووضع المصلحة الوطنية العليا قبل مقتضيات “العمل المقاوم” أقلّه في هذه الجزئية الخطيرة!..