Site icon IMLebanon

في الرمز والقضية

 

صارت القصة تشبه المؤشرات الطبيعية والعلمية: يعود سعد الحريري إلى لبنان فترتفع وتائر الاطمئنان، وتكبر التوقعات الإيجابية، وينتعش مناخ أبيض في زمن السواد المستشري.. يغيب سعد الحريري، يحصل العكس، وتشعشع لغة الزفت والشحتار، ويعود سباق التوقعات لينطلق على مداه بين السيئ والأسوأ.

وذلك مناخ لا يقتصر فيؤه على أهل تيار سعد الحريري و14 آذار ومريديه ومؤيديه ومناصريه، وإنما ينسحب أيضاً على الأخصام والأعداء والمناوئين والكارهين والحسّاد العوازل! بحيث صار الرجل رمزاً إجماعياً يتخطى الانقسامات المألوفة في السياسة والاجتماع والأهواء والارتباطات والهويات: إن حضر عمّ التفاؤل وإن ذهب عمّ التشاؤم!

الأمر شكلي بقدر ما يدل على مضمون غير بعيد. ولا بأس قليلاً أو كثيراً من قول الأمور من دون فذلكات وتخرّصات ومبالغات غير مستساغة: ارتبط الاسم مع الأب بمرحلة انتهاء الحرب وبدء حملة العمران. انتعشت تلقائياً كل المقوّمات الحياتية المضادة للموت وآلته وصناعته وتجارته. وضمرت الحرب وضمرت لغتها معها في مقابل صعود لغة واحدة كاد التماهي يكون تامّاً بينها وبين مرحلة السلم والاستقرار، وهذه مختصرة بآل الحريري.

الاختصار اللغوي المبالغ فيه هذا، لا يلغي تلك الحقيقة البسيطة التي جمعت بين الإعمار والاستقرار وبين رفيق الحريري، وجمعت لاحقاً بين الخراب وانعدام الاستقرار وبين الغدر برفيق الحريري وتغييبه.

ولعبة الرموز مُستساغة وتليق بالكلام اليومي السريع: اسم بعينه يدلّ على استقرار واسم بعينه يدل على توتر. لكن الأمر ليس لعبة والرمز ليس شعاراً. بل الواقع في فحواه (وأي اكتشاف؟!) هو تعبير عن مشروعين متناقضين، بدءاً بالسياسة وصولاً إلى البعد الديني! والناس فيهما ترمي بكل عدّتها. لكن المفارقة الفظيعة تكمن في أن التوصيف في ذاته هو موضع إجماع!

أي لا يدّعي أهل المناتعة والممانعة غير ما فيهم، بل هم أدلجوه ورفعوه إلى مصاف التأليه. من قتال إسرائيل إلى قتل الشعب السوري وتعطيل الدولة اللبنانية وهتك شروط العيش الوطني بالطول والعرض، وصولاً إلى الاحتفال (الفعلي) بالموت واعتباره زبدة المرتجى.

ولا يدّعي في المقابل أهل المشروع الحريري والسيادي، غير ما فيه وفيهم: لبنان اكتوى واستوى وآن له أن يرتاح، واللبنانيون زرعوا (ودفعوا) سلفاً متوجّبات الحرية والدولة التامة والاستقرار، وآن وقت الحصاد!

في هذه السيرة الطويلة، يحلو الاختصار: بين المشروعين تطفو الرموز. وفيها أن اسم الحريري يستدرج الرجاء وغيره يستدرج اليأس. واسمه يستدرج فرحاً مصفّى وغيره حزناً عبثياً.. قد يحمل الاسم فوق طاقته، لكن مقدار الطاقة التي يبثّها في العموم تكفي لمراكمة أسباب الاستمرار والصمود، وترقّب الأفضل. وهذا لعمري، يفكّ عُقَد الحواجب ويقوّض العبوس، ويأخذ الناس فوق انقساماتهم إلى لغة تفاؤلية جامعة وعنوانها واحد: سعد الحريري عاد إلى بيروت!