ليس غريباً أن يستـأنف أهل المحور الممانع في نواحينا وديارنا هوايتهم المفضّلة باستهداف علاقات لبنان العربية ومصالحه وتاريخه من خلال استهداف دول الخليج العربي، بل الغريب هو أن يستمر ذلك الأداء الذي يضع المعارك الفتنوية في موضع المفاضلة على الأجندة المدّعاة عند هؤلاء الخاصة بمنازلة الصهاينة ومقارعتهم!
قبل أيام معدودة، سُجّلت أحدث الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع محدّدة في مطار المزّة الدمشقي.. من دون أن يعلن الطرف المستهدَف ولا الجهة المعتدية، عن ماهية تلك المواقع ولا طبيعتها.. وإذا كان الأمر وارداً بالنسبة إلى الإسرائيليين، فإن الغرابة متحكّمة بالطرف الآخر: هل وصل التطنيش و»السلوك النعامي» إلى حدّ عدم الإضاءة على ذلك الحدث الجلل؟ وهل صار ذلك «النوع» من الأخبار، غير مرغوب فيه في الأجندة التعبوية عند هؤلاء! وهل وصل زوغان البوصلة والبصر والبصيرة عندهم، إلى حد السكوت عن «عدوان صهيوني غاشم» ميدانياً وإعلامياً وسياسياً؟ في مقابل فتح الأشداق على وسعها ذمّاً وقدحاً وتطاولاً على أهل الخليج العربي وتدخلاً في شؤونهم الخاصة؟
لم يعد هناك ما يفاجئ في مدوّنة أداء وسلوك أهل ذلك المحور الإيراني – الأسدي طالما أنه عدّل علناً وجهاراً نهاراً أولوياته «النضالية» وصار يعتبر عموم العرب والمسلمين (الأغيار!) وعموم الشعب السوري هم محور العداء وليس غيرهم! لكن مع ذلك، فإن مقومات الاستغراب تبقى في مكانها، راسخة وتزداد رسوخاً: كيف يوفّق أهل ذلك المحور في لبنان، بين ادّعاء أُبوّتهم للعهد الرئاسي الجديد، وبين انخراطهم المفضوح في ضرب أول إطلالة عربية كبيرة وحسّاسة له؟ ثم سعيهم الحثيث والسريع إلى نسف الإيجابيات التي ولّدتها زيارتا الرئيس العماد ميشال عون إلى المملكة العربية السعودية وقطر؟ وتخريب الاحتفال بطي صفحة الماضي والشروع في مقاربة جديدة تخدم اللبنانيين في الإجمال؟
أم أن المقصود هو ذلك تماماً بتاتاً؟ أي الالتفاف على الزيارتين ونتائجهما. والاستمرار في توليد الإشكالات وافتعالها على الضد من المصلحة الوطنية العليا للبنانيين ومن أجل إعادة الأمور برمّتها إلى الزاوية المقفلة، طالما أن مصلحة إيران تقتضي ذلك، وطالما أن أجندتها تستدعي إبقاء النار مندلعة مع المحيط العربي والإسلامي ومن اليمن إلى كردستان؟ وطالما أن لبنان، في العُرف الممانع، هو مجرد ورقة وساحة نفوذ ولا يجوز لأحد، أياً يكن(!)، أن يُخطئ الظن والحساب في ذلك؟