يواكب تصحيح احداثيات القصف الجوي الروسي باتجاه مواقع «داعش» في الرقة ومنطقتها كما في بعض الريف الحلبي، بعد نحو اربعين يوماً على بدء «عاصفة السوخوي»، إطلاق الفرنسيين حملة جوية بالاتجاه ذاته غداة مجزرة ليل الجمعة الماضي في باريس.
وفي ظاهر الأمر، ان موسكو تستهدف «داعش» بعد ان تأكدت من مسؤوليته عن تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، لكن في ما هو ابعد من الظواهر، هناك مسار يبدو انه نضج في قمة العشرين في انطاليا التركية ويُقارب الوضع السوري للمرة الاولى، بطريقة منطقية لا تفصل بين الحرب على الارهاب ومصير السلطة الاسدية.
ولإيران ومذيعي بياناتها وآرائها ومنفذي سياساتها عندنا، ان يأخذوا المستجدات المتسارعة، قبل انطاليا وبعدها، باتجاه احادي، هو المتعلق بالارهاب.. لكن ذلك لا يغيّر واقعة ان الروس مشوا خطوة اضافية باتجاه التلاقي مع توجهات المحور المضاد للاسد وليس العكس، وقدموا ما يكفي من اشارات ومؤشرات على قبولهم بالحتمية القائلة أن لا مستقبل له في اي وضع سوري ناشئ من أي حل لهذه النكبة المتعددة الابعاد والطبقات والمديات.
وما لن تقبله ايران، إلا على مضض، على عادتها المألوفة، هو اكتشافها ان الروسي رفيق درب في سوريا وليس رفيق هدف. وان اجندته محكومة بمصالحه وليس بشعاراته. وانه منطقي وليس طوباوياً. ولهذا تراه يَحْصُد ما زرعه الايراني! ويقطف ثمار شجرة سقاها «الولي الفقيه» بدماء عناصره، كما بدماء السوريين على حد سواء.
قمة انطاليا، أظهرت ان بوتين المحاصَر من الغرب، نتيجة اوكرانيا والقرم، صار «شريكاً» لهذا الغرب نتيجة سوريا! وأي تلميذ شاطر يمكنه ان يلاحظ ان تلك معادلة حسابية ناشفة وباردة من شدّة واقعيتها: لن يستبدل الزعيم الروسي مصالح بلاده بتابع سياسي مهما غلا! فكيف الحال وهذا التابع صار اعجز في القدرة على تقديم اي فائدة!
والمفارقة، ان عامل الارهاب الداعشي خصوصاً وتحديداً، الذي بدا انه أهم وأخطر «أسلحة« المحور الاسدي، هو ذاته الذي سرّع ويسرّع تلاقي المصالح بين المختلفين، لكن على حسابه اولاً وأساساً! واذا كانت باريس دفعت أثمان مواقفها المبدئية (والثابتة) من السلطة الأسدية، فإن موسكو دفعت أثمان سياستها الناقصة مع تلك السلطة! وقد تكتشف لاحقاً(؟!) ان من استهدف طائرتها فوق سيناء، أراد لها الانخراط اكثر في الحرب السورية لكن لمصلحته، وتحت ستار الفتك بالارهاب.. طالما ان كل معارض في عرف الاسد، هو ارهابي!
اشارات الموقف الروسي المستجدة المقلقة للاسد وايران، تبلورت في بدء التفريق بين «داعش» وغيره من الفصائل المقاتلة. وفي الموافقة على تلزيم الاردن وضع لائحة بالتنظيمات الارهابية.. ثم بالايعاز الى القوة الروسية المقاتلة في سوريا وبحرها للتنسيق مع الفرنسيين في عمليات القصف باعتبارهم «حلفاء»! وقبل ذلك، هناك ما لا ينكره إلاّ قاصر، وهو المتعلق بالخطوط السياسية والديبلوماسية المفتوحة مع ابرز القوى الاقليمية مثل السعودية وتركيا، ومع دول الغرب في الاجمال والولايات المتحدة في الخصوص!
أراد الأسد وإيران من «عاصفة السوخوي» ان تجر الروس الى مواجهة مع كل العالم، فإذا بها تفتح لهم طرقاً سبق وأقفلتها الأزمة الأوكرانية وضم القرم! ولم يخطئ بالتالي، من افترض منطقياً، ومنذ البدايات، أن تلك العاصفة ستأخذ في طريقها، أول ما تأخذ، ذلك المحور الذي استدعاها، وقبل غيره!