Site icon IMLebanon

في «المغامرة» المُكلفة

 

قد تكون واحدة من أسوأ تداعيات الاستفتاء الكردي المتعجّل هي إزالة الفوارق «السورية» من أجندة تركيا وإيران. وتعديل أولويات أنقرة وترقيمها في أجندة أعمالها الراهنة، بما ينعكس سلباً على «الضحايا» أكانوا في كردستان أو في عموم سوريا.

كان مفهوماً، أن إيران وتركيا تختلفان على أمور كثيرة من بينها الشأن السوري، لكنهما مبدئياً، ومن دون دوافع إضافية، تلتقيان في السياسة والتاريخ والجغرافيا، على الشأن الكردي. وعلى التصدي الشرس لأي خطوة إحيائية من قبل أصحابه، خصوصاً إذا كان جذرها هو النَفَس الاستقلالي، وهدفها هو الوصول الى ذلك الاستقلال، وإن كان بالتقسيط (مثلما يعني الاستفتاء في الشمال العراقي).

وكان غريباً وغير مفهوم أن تذهب القيادة الكردية برئاسة مسعود البرزاني في خطوة الاستفتاء من دون أي ضمانات، إقليمية أو دولية. وأن لا تضع في حسبانها أن المغامرات في الشؤون المصيرية والحدودية والسيادية، ليست مأنوسة على الإطلاق، بل هي تليق بلعب المبتدئين والأغرار في السياسة وفي غير السياسة.

وما فعلَه البرزاني هو مغامرة على ما سماها بنفسه. لكن لم ينتبه الى أنه يغامر بالرصيد الأساسي للوضع الكردي وليس بالفائض عليه. أي إنه كسب الاستفتاء لكن يكاد أن يخسر الإقليم برمّته! وأن يبدّد كل ما تراكم من مقوّمات «سيادية» فيه منذ سقوط نظام «البعث» الصدّامي. والتي يتفق معظم الناس على أنّ تلك المقوّمات كانت أكبر وأوسع من توصيف «الحكم الذاتي» وأقرب ما تكون الى دولة غير معلنة، ولا ينقصها شيء سوى الاعتراف الأممي الشرعي بها!

إرتضى العراقيون في المركز، بذلك الواقع وإن شابته نتعات مألوفة. وارتضى الأتراك به أيضاً طالما أنّه في «حدوده» العراقية. بل المفارقة أنّ العلاقات بين أنقرة وقيادة الإقليم كانت أكثر جودة من العلاقات بين أنقرة و«أكرادها»!.. بل شهدت تطوراً في السياسة والتجارة استناداً الى اعتبارات كثيرة في مقدّمها وحدة الموقف من الجماعات الكردية الموضوعة في خانة الإرهاب!

وارتضى الإيرانيون بذلك الواقع طالما أنّه أيضاً محصور في حدود الجغرافيا العراقية.. وطالما أنّ القيادة في كردستان لم تُظهر أي طموح عابر للحدود باتجاه الأكراد في إيران.. لكن الاستفتاء حرّك المواجع! واستنفر المعنيين في بغداد وأنقرة وطهران معاً. وبخّر بإعجاز بيّن، تناقضات كبرى في سياساتهم الإقليمية والدولية، وتحديداً إزاء الشأن السوري! وتحديداً أكثر إزاء مآلات ذلك الشأن. بحيث أنّ كثيرين لا يستبعدون أن تكمل تركيا مع الإيرانيين، ما بدأته مع الروس في شرق حلب! وأن تجد نفسها مضطرة الى تقديم بعض التنازلات (الإضافية!) لضمان ما تراه مصالحها القومية العليا.

هبطت مغامرة الاستفتاء على واقع إقليمي ودولي شديد التعقيد، وزادته تعقيداً. والأمرّ من ذلك، هو أنّ أصحابها سيدفعون الثمن مجدداً، لكنهم «قد» يأخذون معهم (في الطريق) ضحايا آخرين بحثوا مثلهم عبثاً، عن تحرّر من استبداد لا سقف له!