هناك شيء سلبي من المعطى الإيجابي المتصل بتصعيد حمى المواجهة الديبلوماسية والإعلامية بين الدول الغربية من جهة وروسيا من جهة ثانية، بسبب الوضع السوري ونكبة حلب.
الولايات المتحدة أولاً ودول أوروبا الكبرى ثانياً، تؤكد مرة تلو مرة وبكثافة لافتة في مجلس الأمن وخارجه، أنها «اكتشفت» أخيراً حقائق خطيرة ومذهلة في النكبة السورية! منها ارتكاب الروس جرائم حرب ضد المدنيين فيها! واستغلال شعار «مكافحة الإرهاب» لممارسة فظاعات أين منها ذلك الإرهاب! ووفق سياقات بعيدة عن مضامين و»أرواح» التفاهمات والاتفاقات والالتزامات والاجتماعات في جنيف وفيينا وباريس وغيرها التي ركّزت على ما يُسمى «الحل السياسي».
وهذا «تطوّر» إيجابي يمكن أن يساعد على صمود اليقين بأن قيم العالم الحر لم تُبع بالجملة بعد في أسواق سياسية بلا أخلاق! وأن الخلل المتأتي عن نزول بعض البشر إلى مستويات غير بشرية في عصر الحداثة والانفتاح والانجازات العلمية الخارقة هو خلل عابر ولا يمكن إلاّ أن يكون عابراً.
لكن ذلك، على ما يبدو، تصوّر مبتور، وهو في زبدته وصفوته ومصله، يمكن أن يؤخر ولا يقدم! أي أن يدفع بيقين مضاد إلى الواجهة يفيد بأن عالم اليوم موسوم بالحداثة لكنه محكوم بالتوحّش! وأن هذه الحداثة رسخت مفاهيم سابقة عليها بدل أن تمحيها! أي أن كثرة الاطلاع على مناحي العسف والجريمة والاستبداد وسهولة ذلك الإطلاع لم يعنيا تطويراً موازياً لآليات الرد، ولا تقدماً في استنباط أساليب معاصرة للتصدي لتلك الممارسات الآتية من الماضي! مثلما لم يعنيا ترسيخاً لمفاهيم السوق الحرة التي تعني سحب النظام السياسي إلى شروطها وجعله متمماً لها وليس العكس! برغم نجاح المثال الصيني، وهو وحيد وفريد من نوعه في كل حال!
يوماً تلو آخر، تقدم الوقائع السورية أكثر من غيرها، دلالات على أزمة غير مألوفة وغير منطقية، لا في تفاصيلها ولا في خلاصاتها. بحيث أن كثرة اللغو عن جرائم الحرب التي ترتكبها منظومة الطغاة، وكثرة الركّ والتركيز على النفاق الذي يُمارس لتغطيتها، يفترض أن يتوازنا مع رد فعل مناسب من جانب المتصدين لها، أي من الولايات المتحدة بداية ومن حليفاتها لاحقاً. لكن العكس هو الذي يحصل. أي أن الروس والإيرانيين وبقايا شبيحة الرئيس السابق بشار الأسد يصعّدون على الأرض كلما صعّد هؤلاء على الورق وفي الهواء! ويزيدون من حدّة صلفهم وتحدياتهم كلما زاد هؤلاء من حدّة ارتفاع أصواتهم! ويتفنّنون في الإجرام كلما تفنن هؤلاء في «تنسيق مواقفهم»! ويمعنون في استرخاص أرواح البشر كلما حكى هؤلاء عن «جرائم ضد البشرية».. إلخ!
السيبة مكسورة، وطالما أنها كذلك، فإن لأطفال سوريا وأهلها في الإجمال، أن يحاولوا الاحتماء من «السوخوي» الروسية والبراميل الأسدية والفتاوى المذهبية الإيرانية، باستخدام البيانات الأميركية الاستنكارية التي تتهاطل في مجلس الأمن فوق بعضها البعض! بانتظار عالم آخر يعود فيه الاعتبار إلى مقولة بدائية مفادها أن كمشة من بارود وحديد تساوي أطناناً من البيانات والشعارات والتجارات!