تصبح الفجيعة فجيعتين عندما ننظر من خلال الأسى على رحيل الأمير سعود الفيصل، الى الواقع العربي الكارثي من المحيط الى الخليج، فلشدة ضيقه من تفاقم الأزمات العربية لم يتردد في آخر كلمة له امام مجلس الشورى السعودي في تشبيه وضعه الصحي وكان في طور النقاهة بعد عملية جراحية بأنه يشبه حال الأمة العربية.
يرتحل الفيصل في زمن صعب جداً وعلى مفارق أزمات وملفات عاصفة قد لا تنتهي والعالم العربي الذي نعرفه سيبقى كما عرفناه، لهذا يضاعف غيابه، وهو الذي كان علم الديبلوماسية العربية والإسلامية وقاطرتها، الألم والخسارة، ليس بالنسبة الى العرب وحدهم بل بالنسبة الى دول العالم المهتمة بهذه المنطقة الحيوية.
هكذا لم يكن غريباً ان يقول ديفيد كاميرون: “لقد إستفاد الكثيرون وانا منهم من حكمته الكبيرة في الشؤون الدولية طوال سنوات خدمته للمملكة”، في حين قال فيليب هاموند: “لقد خدم المملكة سنوات طويلة بكل وقار وتفان وسنتذكر الى الأبد مساهماته المهمة والطويلة في الجهود الديبلوماسية والشؤون الخارجية في أنحاء العالم”، فقبلهما بزمن كانت مارغريت ثاتشر قد قالت بعد لقائها إياه: “هذه الألمعية المدهشة التي تبرز عنده هي مزيج من إصالة وصفاء البادية ومن حداثة المدينة وقد إجتمعت في شخصه كأمير وديبلوماسي”.
دموع الحسرة في عيني شقيقه الأمير تركي تماثل الأسى على غياب مساهماته الحكيمة والبارعة في قضايا وملفات وأزمات كثيرة، من القضية الفلسطينية الى الحرائق المندلعة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وتونس، الى التعطيل المتمادي الذي يضرب الدولة في لبنان، الذي طالما حظي بإهتمام السعودية إذ لعب الفيصل دوراً محورياً في وضع إتفاق الطائف الذي انهى الحرب وبات دستور البلاد.
كان فيصلاً ورؤيوياً بارعاً في تثبيت أفكاره، فما قاله للأميركيين عام ٢٠٠٤ يتردد الآن في واشنطن: “اذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلّون مشكلة وتخلقون خمس مشاكل”، وما رفعه في وجه ادارة باراك أوباما المتهافتة على ايران على حساب حلفائها التاريخيين في الخليج بدأت معالمه بالظهور: “ان العلاقة مع اميركا زواج إسلامي تستطيع فيه المملكة الإحتفاظ بزوجات عدة”… يا للبراعة!
في لقائي إياه على هامش قمة بيروت عام ٢٠٠٢ قال لي: “ان المبادرة العربية للسلام التي إقترحها الملك عبدالله وكان ولياً للعهد، هي لإسقاط نظرية العدو الإسرائيلي ان العرب لا يملكون افقاً للسلام وهو ما يردده الغرب نتيجة الحروب العربية الخاسرة، نحن نريد وضع اسرائيل امام إستحقاق لا تريده لأنها تقوم على العدوان”. وفي لقائي إياه على هامش القمة العربية والإقتصادية في الرياض قبل عامين بدا متألماً في وصف الوضع العربي بالقول: “تكسّرت النصال على النصال”.