كان الأمس يوماً طويلاً وحزيناً، لم تكن «مرمورة» إمرأة عاديّة، كانت سيّدة إستثنائيّة، لطالما طالبتها باستعادة روايتها عن يوم ولادتها لماجدة، ولطالما أعادت القصّة عليّ «ضلّيت إبكي تصارت تغربت الشمس.. كانت البنت الثالثة»، ولطالما مازحتها بالقول «لم تعرفي يومها أيّ بنت أنجبت»..
كانت السيّدة ماري لطفي سيّدة إستثنائيّة، في لطفها وودّها وإيمانها وثقافتها ولغتها، كانت بالنسبة لي ولكثر غيري أكثر من مجرّد والدة صديقتنا الغالية ماجدة الرومي، احتملت في عمرها المديد مرارات كثيرة ولم تحدّثنا يوماً إلا عن الجميل، احتملت عذابات مرضها من دون أن تعرف عنه شيئاً، كنّا كثراً يوم أمس في وداعها وإلى جانب عائلتها، فقد أحبّت كلّ من أحبّهم، أبكتنا كلمة ماجدة الرومي كثيراً، هزّت أعماقنا، ليس أصعب من أحزان فقد الأمّ.
في وداع «تانت ماري»، «مرمورة» كما تناديها ماجدة، لا أجد كلاماً يليق برحيلها أكثر من كلمات ابنتها ماجدة الرومي، فأحلّها عزيزة على هامشي، كلمات ماجدة هي مقالة اليوم، كلمات ليست كالكلمات، في وداع «مرمورتنا» الحبيبة…
«العمر الحلو يلّي عشناه.. عشناه حلو فيكي ومعك ماما.. والبيت الحلو يلي ربّيتينا فيه كان حلو لأنو كان صورة عن قلبك الحلو وقلبك كل يوم كان جَنِّتنا على الارض.. شو في أحلى من قلبك بجنّة السما لـ تتركينا وتروحي يا حبيبتي؟؟ في كمال الحب وكمال الحب بيليق فيكي يتوجّك بأفراحو ربّنا أنتي اللي حبّيتي هلقد. وهيدا الشي الوحيد الوحيد يلّي بيعزينا برحيلك اليوم.. ومع إنك ماما ما بتحبّي نبوّس إيديكي اسمحيلي إستثنائياً اليوم: للضحكة اللي كنتيها بعمرنا كل يوم الضحكة اللّي وسّعت أحلامنا وآمالنا وأيامنا السعيدة وذكرياتنا الحلوة المحفورة بالقلب متل شرايينو.. اسمحيلي إنحني وبوّس إيديكي.. لـ هالست العظيمة اللي عرفتا فيكي الشامخة الفاضلة يلي كنتيها يلّي زرعت بيتنا لولو وياسمين وخير وفرح وحُبّ وقِيَم جميلة، اسمحيلي يا امي إنحني وبوّس إيديكي..
لحبّك المُعدي اللي كِنْتِي عمرك كلّو لروحك العَليّة اللي بلّلت أرواحنا بالندي لحديثك الحلو اللي قطفناه كلّنا كلّ يوم ورد بلا شوك يخدش ولا شوك يجرح حدا.. اسمحيلي إنحني وبوّس إيديكي.. لـ هالصخرة اللي كنتيها اللي عمّر عليها البابا بيتنا الحلو، حلو بوداعتك بطيبتك وسلام نفسك، حلو بإيمانك بإتكالك ع الله بحكمتك بثقافتك الملفتة برفعة راسك بإرادتك بقرارك تعملي بيت حلو ما تتزعزع أساساتو شو ما صار وشو ما واجهنا وهيك صار.. اسمحيلي إنحني وبوّس إيديكي..
يا إمّي مين أنتي شو أنتي؟؟؟ من وين جبتي هالجبروت المبارك تواجهي فيه صعوبات هالحياة هيك؟؟ وكيف قدرتي بهالضحكة اللي بتشفي تخدمي بتخت البابا اللي راحوا إجريه بالسكري سنين وإيام وليالي من عمرك من دون نوم ولا كلل ولا ملل، تخدمي من دون تذمُّر بهالشجاعة شجاعة القديسين المتكلين ع الله يلّي قوّتهن من السما مش من الأرض؟ كيف قدرتي تخدمي بتخت التيتا بنفس الوقت وتضلّي واقفة بين تختيْن صابرة وديعة مبتسمة وفاتحة البيت للحياة الحلوة والموسيقى ورغم كلّ شي وقادرة بإستبسال على كتم كلّ وجع وكلّ دمعة من دون ولا نُصّ كلمة غضب تقوليها؟
كيف قدرتي تعطي بنتك مها لربنا بـ هالتسليم المطلق لإرادة الله من دون ما تفقدي إيمانك ولا تيأسي ولا تفرجينا حزنك ولا تستسلمي ولا تهربي من واقع الحال ولا تفلتي مسبحة صلاتك من إيدك؟ مسبحة ورا مسبحة يا ماما للكلّ ومع الكلّ حتى كتبتي الايام نور يكسر كلّ ظلمة، أيّ ظلمة بعد ممكن تطال نفسك وأنتي زهرة النور وحبيبة السما والارض؟.. كتبتي أعمارنا فرح وكتبتك دموع هالأرض حزن شرّبك كاس المُر لآخر نقطة.. ورا المسيح حملتي صليبك ع كتفك ومشيتي ع درب السما طلوع لـ دمَّمْ إجريكي شوك الطريق.. أي هيك إتبعتي المسيح.
يا حلوة يا إمّي اللي هلقد حلوة ماري..يا غالية يا أمّي اللي هلقد غالية ماري.. يا قديسة بيتنا وقلوبنا،يا الضحكة القدّيسة.. أنا اليوم مش بس رح بوسّ إيديكي سامحيني.. أنا ومتل ما لازم يعمل ولد ربيتي إنتي وحافظ الجميل وقادر عالوفا رح إركع بوّس إجريكي.. أنا وإخوتي وولادنا جميعاً منبوّس إجريكي يلّي وصّلوكي ع السما هلقد حلوة ونحن متمسّكين فيكي لآخر يوم بالعمر وماشيين وراكي.. ويا يسوع المسيح يا ابن الله الحي.. أنت اللي قلت يا ربي «ليس من حُبّ أعظم من أن يبذل الإنسان ذاته لأجل من يحب».. عم بسألك اليوم تكافي حُبّ إمّي العظيم لعيلتها والنّاس بإكتمال حبّك.. حِبَّا يا ربي حِبَّا.. حبّا هل بذلت هلقد عمرا هيك للكلّ.. ما شي غير حبّك العظيم إلها ورفعها لمراتب الأبرار والقديسين بيعزّي قلوبنا بيوم هالقد حزين.. وأنت الكريم يا ربي وأنت الكريم، وإمّي المستحقّة المستحقّة المستحقّة رحمتك.. المسيح قام» .