IMLebanon

في الذكرى الأولى لولادتها: لبنان «لقمة» أكبر من «فم داعش»!؟

عاد وزير سابق من مؤتمر أوروبي خُصِّص للبحث في جوانب من العقل الذي قاد الى الدعوة لإحياء «الخلافة الإسلامية» بعد قرون على سقوطها… بانطباعٍ واضح يقود الى الإعتقاد أنّ لبنان «لقمة كبيرة» أكبر من فم «داعش» على رغم المخاوف من وسعه بعدما إستكشف موقع لبنان في المعادلات العسكرية والسياسية الجديدة. فما هي الوقائع التي تلمّسها والخلاصات؟

في المؤتمر الذي عقد في إحدى دول اوروبا الوسطى قبل أسبوعين تقريباً بمشاركة أوروبية وغربيّة مكثّفة وعربية محدودة للغاية وشخصيات إيرانية تقدمتها سيدة لها موقعها المتقدم في وزارة الخارجية الإيرانية، وأكاديميين لبنانيين وايرانيين وسوريين وعراقيين، جرت مقاربة التطورات الأخيرة التي رافقت قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام قبل أسبوعين على الذكرى السنوية الأولى من الإعلان عنها (29 حزيران 2014).

ظهر جلياً أنّ الحشد الأكبر من المشاركين في المؤتمر له خلفيات ثقافية مستشرِقة تعمّقت في الدراسات الإسلامية بالإضافة الى مجموعة لا يُستهان بها ممّن يمتلكون ثقافة استراتيجية وعسكرية جاءت خلاصة تمضية سنوات خدمتهم في الجيوش الأوروبية والغربية التي عملت في الشرق الأوسط وانتسبت بخبرتها بعد التقاعد الى عدد من مراكز الدراسات المعتمَدة لدى الأحلاف الدولية وحكومات اوروبية وغربية مختلفة.

توقف المؤتمرون أمام قدرة «داعش» على التوسع والإنتشار. وعلى هذه الخلفيات، أجمعت الآراء والدراسات على بعض العناوين والمبادئ التي لا يستطيع التنكّر لها أحدٌ ومنها:

– لم يُراهن أحدٌ على الحملة العسكرية الجوية التي قامت بها دول الحلف الدولي الأربعون على إمكان القضاء على «داعش». فحجم الأسلحة التي سطت عليها «داعش» في أول أيام سيطرتها على مناطق عراقية استراتيجية فاقت كلّ التقديرات التي يمكن أن تنالها حركة من هذا النوع بسبب هزالة التركيبة العسكرية للجيش العراقي الفتي.

– كان سهلاً على حركة متشدِّدة لها هدفٌ واحد وقراءة دينية واحدة متجذِّرة في تفسيرات دينية وآراء لا يناقشون في شكلها ومضمونها أن تستفيد من الإمتداد القبائلي والديني والعرقي المتجانس للمناطق السورية والعراقية المتجاورة على جانبَي وطول الحدود الشاسعة بين البلدين للتوسع من العراق الى سوريا وكأنها في نزهة، وفي بيئة حاضنة دفعت ابناءها الى استقبال المجموعات المسلَّحة بالترحاب والخضوع لمشيئتها بفعل الإنتماء الموحَّد بالدرجة الأولى وصولاً الى الرضوخ بالقوة القاهرة على وقع أبشع المجازر التي ارتكبتها ليس بحق الأقليات الدينية والعرقية فحسب إنما ببني الذرية والمذهب والطائفة والجيوش عينها.

– لم يكن وارداً أن تعوّض الضربات الجوية مهما كانت موجعة عن فقدان القوى البرية على رغم الإختلاف الواضح بين الوضعين العراقي والسوري. فالحكومة العراقية أكسبت دول الحلف شرعية المواجهة البرّية معها، بمجرد أن طلبت منها رسمياً التدخل البري والتسليح والتدريب في وقت لم يعترف فيه الحلف الدولي بالنظام السوري ليكون شريكاً في الحرب على رغم العروض الكثيفة التي تلقّاها من دمشق.

– لم يظهر الحلف الدولي تماسكاً كان مطلوباً من أجل حسم معارك كثيرة بالسرعة القصوى، فتآمر بعض الأطراف الفاعلين على آخرين، وساهموا في تدمير القوى المعتدلة وأشرفوا على صفقات انتهت بتسليم مناطق شاسعة لـ»داعش» بالترغيب والترهيب وتناتشوا المواقع والأسلحة والأموال وتصارعوا في ما بينهم بكلّ الوسائل المُتاحة.

وعلى رغم التوسّع الداعشي في العراق وسوريا أجمَع المنتدون على القول إنّ التنظيم لم يظهر كفاية أنّه مهتمّ بالساحة اللبنانية على رغم ضمّ لبنان الى الخرائط التي تحلم بها الدولية الإسلامية. فبقيت رسوم على ورق رغم انتشاره في دول عربية وافريقية واسلامية عدة بلا سفراء ولا بعثات تدريب بل بقراءة دينية موحَّدة. فبقي مناصروها على الساحة اللبنانية افراداً، أو على شكل مجموعات لبنانية وسورية مشتتة وصغيرة فبقيَ تأثيرها في إطار محدود قياساً بما أدّى إليه تدخّل «حزب الله» الى جانب النظام.

وأمام ما شهدته المنطقة من سيناريوهات وعروض عسكرية شارك أبطالها في الحرب السورية تسليحاً وتدريباً وتحريضاً سياسياً وديبلوماسياً، توقّف بعض المؤتمرين أمام إجماع القوى عينها على معاملة لبنان بعكس سياساتها الحربية في سوريا والعراق.

فلجأت في العلن الى رعاية تفاهمات مختلفة الأحجام، وكأنّه «الساحة» التي يحتاجها الجميع والتي يمكن أن تشهد على كلّ أشكال المفاوضات والصفقات متى عقدت. فنعم لبنان بالحدّ الأدنى من «الحياد الإجباري» ولو بالقوة تزامناً مع برامج لتسليح الجيش والتي كان يحلم بها منذ تأسيسه.

وبناءً على ما تقدّم خلص الوزير السابق الى معادلة لبنانية لخّصها بعبارات قليلة بالقول: يبدو أنّ لبنان بفعل هذه الرعاية الدولية بات «لقمة كبيرة» أكبر من «فم داعش» وأخواتها على رغم وسعه لألف سبب وسبب. مع رفضه المطلق الأسباب التي قالت إنّ الحرب الإستباقية التي خاضها لبنانيون خارج حدود بلادهم هي التي جنّبت لبنان الخضات الكبرى. ولولاها لكانت «داعش» في جونية وبيروت وربما في مناطق أخرى من لبنان…( يتبع)