Site icon IMLebanon

في أوّل الكلام..

 

قال الثُّقات العارفون العالمون الضليعون في أمور الدنيا وشؤونها، وكلامها وعاداتها، وتراكماتها واجتماعاتها، وشعوبها وأقوامها، ومبادلاتها الثقافية والمالية والتجارية، وانقطاعاتها وحروبها، ومواجهاتها وأزماتها، وطلعاتها ونزلاتها، وتوصيفات كِرامها ووُضعائها، وخِصالهم ومسارهم، وصغائرهم وكبائرهم.. قال هؤلاء إنّ الحرب أوّلها كلام! وإنّ التوغّل فيه، خارج منظومة الزجل وردحيّاته وفكاهته، يوصل حُكماً إلى الدم! وإنّ هذا يصير مدراراً فوّاراً واصلاً إلى الركب، كلّما سبقته مطوّلات الوعيد والتهديد وتكبير الرؤوس وتدريع النفوس وصرف الفلوس ورفع الفؤوس علامة للزمن المنحوس.

وقال هؤلاء الثُّقات الباحثون في البدايات والنهايات، والمهمومون بالمنطق وروابطه ومناهجه، والذاهبون من هنا إلى التأويل، والشرح والتفسير والتعليل والتحليل، والاستنباط واستخلاص النتاجات، والتوقّعات والحكايات التي يجب أن تُحكى وأن تُروى، وأن تُذاع وتُشاع باليراع والمذياع وبكل شأن مُتاح ومُباح وبكل وسيلة طيارة أو سيّارة أو بين الشأنين والأمرين والأسلوبَين والطريقَين مُحتارة.. قال هؤلاء الخطيرون، الفقهاء النُجباء العُلماء، الناشطون الجادّون الفالحون السّاعون في مذاهب الواقع ومدارسه، وظواهره وبواطنه المستوية والملتوية، والمبهمة والواضحة، والعميقة والضحلة، والتافهة والجدّية، والخفيفة والثقيلة.. قال هؤلاء قولتهم الأولى وارتاحوا إلى دوامها وسَرَيانها وانغراس حروفها في رمل الزمان والمكان وتلابيب الوجدان، وركونها الأكيد في باب من أبواب الإيمان، العَصيّ على النسيان والخذلان، والمؤاخي المتآلف مع الطبع الأول للإنسان، الناشل إيّاه من التَوَهَان والغشَيَان، والساحب قلقه من سكرة الفلتان وفلتات اللسان، والملطِّف لمخاوفه وأسئلته وهواجسه وهلوساته ورعبه الفطري والمكتسب، الأول والمتراكم والأصلي والفرعي والجذري والمتفرّع منه وعنه..

قال هؤلاء الثُّقات، الآفلون منهم والحاضرون والذين على دربهم سائرون وعلى ربّ العباد يتوكّلون، إنّ الزمن الأوّل تحوّل، لكن، أحكامه لا تتبدّل. وقوانينه لا تتعدّل. وبديهيّاته لا تتبهدل. وهذه أقوى وأمتن من البحار والأمطار، والرياح والرماح، والحَرّ والقَرّ، والزلازل والنوازل، والحدائد والشدائد، والطالعات والساقطات، والراعدات والبارقات، والمبرّدات والحارقات، والمجمّدات والمليّنات، والمضمِّدات والنازفات، والذاهبات والآتيات، والمفرِّجات والمؤزِّمات، والصادقات والمدَّعيات، واليقِظات والناعِسات، والكريمات واللئيمات، والناشطات والهادِئات، وكل ما كان فيها وما هو آتٍ..

وفي ذلك القول، إنّ الجور يبور. والطغيان يحور ويدور، لكنه يعود إلى أصحابه وفيهم يغور. متمّماً حِكم العدل الخالدة، والرائدة، الطاغية على كل بائدة والسيّدة على كل سائدة.. والناصرة على البغي والقامعة للشقي واللاطمة للدّعي، والحامية للمظلوم والحانية على المكلوم والمواسية للمهموم والحاضنة لكلّ ذي حق معلوم، والعاطية لكل محروم، واللاغية لكل مذموم، والناسفة لكل شرّير آكل من “شجرة الزقّوم”، متكبّر متجبّر وفي مناحي الجريمة متدبِّر، وبغشاء الدهماء متدثِّر..

وفي بديهة الخلق وأول الكلام، أن العدل أساس الملك. والحرية أول العيش. والحقّ ميزان الديمومة والبقاء. والشر استثناء، والقاعدة للخير.. وإن كل طاغية رعديد جبان مُدان، طال أم قَصُرَ الزمان..

 

علي نون