بالإذن من مريدي وتابعي وعمّال إيران في لبنان (خصوصاً) والعاصفة البلاغية المهلوسة التي أطلقوها «رداً» على «عاصفة الحزم» ضد الانقلاب الحوثي ومحاولة السيطرة بالقوة والعسف والاستبداد على اليمن، فإن الواضح من الموقف «الرسمي» الايراني المعلن، هو ان طهران، على عادتها لن تتورط مباشرة في صدام مع المحيط العربي والاسلامي ولن تُقدم على أي خطوات ميدانية موضعية ذات ابعاد وتأثيرات اقليمية وعالمية استراتيجية.
قبل الآن بكثير كانت تلك هي «السياسة» الرسمية لطهران، بل ان مبدأ «الصدام المباشر» هو «التابو» الأكثر شهرة في أدائها وسلوكها.. ولبنان أول من «لمس» معنى ذلك وعلى الحامي خلال المواجهات والحروب التي اندلعت بين «حزب الله» واسرائيل اكثر من مرة، وكانت آخرها حرب تموز العام 2006 التي استمرت اكثر من شهر بقليل وأنتجت خراباً ودماراً مهولين بشرياً وعمرانياً، من دون أن تظهر إيران أي نيّة للتدخل، أو لإرسال «حشودها المليونية» لوضع الصهاينة عند حدّهم!
والأمر ذاته، ينسحب على موضوع غزة، وحروب اسرائيل المتتالية ضد القطاع: كلام بالأطنان، ودعم بالمال والسلاح مماثل، لكن تقديم أوقية واحدة من تدخل مباشر لم يكن وارداً ولن يكون!
ومثالا العراق وسوريا راهناً، يوازيان مثال اليمن. والمبدأ ذاته ينسحب على أي ساحة تبحث فيها الجمهورية الطامحة لرتبة الامبراطورية، عن نفوذ ما، حتى لو كان فوق محرقة أو مقبرة. وذلك، على ما يقول ثقات يعكس لعبة بلفية معتمدة بشراسة، مع انها مكشوفة امام القوى الكبرى، بحكم معرفة هذه القوى وبدقة لواقع الحال الفعلي، العسكري والاقتصادي الايراني.
وتلك اللعبة التي تمارسها إيران تقوم على مبدأ تطمح اي دولة مقتدرة على الأخذ به، سوى انها (إيران) تعوّض من خلاله عن قلّة اقتدارها: تقاتل بالواسطة، وخارج حدودها، وتتجنب ذلك «التابو» المتمثل بالمواجهة المباشرة.. لكن من سوء الفطن وقّلة التدبير، نكران إجادتها ذلك البلف، ونجاحها في بناء ضجيج إعلامي سياسي (مذهبي) واضح ومكشوف في موازاة بناء قوى مسلحة بعضها علني مثل الميليشيا، وبعضها (الكثير) عتميّ ويعمل تحت الارض، ويعتمد أساليب وطرقاً تحاكي الارهاب الخالص.
توحي باقتدارها وجبروتها في تلك اللعبة البلفية. توظّف الضجيج النفسي والاعلامي الموازي لتضخيم أدوار الميليشيات التابعة لها، وتستفيد من معوقات الآخرين وسلبيتهم في اعتماد الاساليب المماثلة والموازية. لكن في التدقيق البسيط، العلني والسطحي، لسيرورة ذلك الأداء، في أي ساحة مواجهة مكشوفة تظهر الحقائق من دون تلوين ولا تزوير: لا في لبنان أمكنها أو يمكنها سرقة شرعيته برغم نجاحها في سرقة بعض شارعه. ولا في سوريا أمكنها أو يمكنها التصدي طويلاً لمنطق التاريخ. ولا في العراق أمكنها أو يمكنها إدعاء أي حسم.. وكذا الحال في اليمن السعيد! مثلما كان قبل اليمن، في البحرين.
في خلاصة جامعة، يتبين ان التصدي لأدوات إيران يكشف مقدار ضعفها هي وهشاشة إدعاءاتها، ومباشرة وليس بالواسطة.. وربما يكون ذلك هو الطريق الوحيد الموصل الى إنهاء عهد النكبات والويلات المتناسلة في دنيا العرب والمسلمين، ومن اليمن الى سوريا!