«الهدية» العسكرية الإيرانية المعروضة على الجيش اللبناني فيها من الدعاية والإعلان أكثر بكثير من الفعالية المطلوبة، أو من دواعي الحرص على تمكين المؤسسة العسكرية الأم من أداء مهامها الجسام بالشكل الحاسم المؤمّل والمطلوب.
في أساس التوجّه الإيراني نحو لبنان، مبادئ لا تلحظ من قريب أو بعيد، تقوية المؤسسة الشرعية، أو أي مؤسسة شرعية، أياً كانت، بل العكس هو الذي ظهر على الملأ في العقود الثلاثة الماضية. وليس «حزب الله»، بهذا المعنى، إلا العنوان الأبرز لذلك الأداء، مثلما انه العنوان الأبرز لترجمة ما تراه طهران، امتداداً لنفوذها من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط.
لا يقول قادة إيران ما يقولونه في هذه الأيام، عن شعاع «ثورتهم» وتأثيراتها، لأنهم راهنوا ويراهنون على المؤسسات الشرعية في اليمن أو لبنان.. أو العراق. بل العكس تماماً: لأنهم راهنوا واشتغلوا وعملوا على بناء ارداف للأطر القائمة في الدول الثلاث واستثمروا (ولا يزالون) الكثير الكثير من أجل ترسيخ ازدواجية سلطوية من خلال فرض أمر واقع مناقض لأمر الشرعية الدستورية القائمة، وساعٍ لاستبدالها في اللحظة المناسبة، مثلما حصل في ذلك اليمن السعيد، ومثلما حصل في ذلك العراق الأكثر سعادة.. ومثلما يؤمل أن يحصل في لبنان يوماً ما، وإن كان الأمر عندنا يتطلب تكتيكات إشكالية معقدة تبعاً لتعقد النسيج الديموغرافي اللبناني وكثرة التباساته السياسية المتمّمة!
الأمر الواضح في ذلك «الانتباه» الإيراني الراهن إلى متطلبات الجيش، هو أنه يأتي غداة الهبة غير المسبوقة التي قدمتها المملكة العربية السعودية بقيمة أربعة مليارات دولار.. وانكشاف المشهد عن مقارنة لا تسرّ خاطر طهران أكثر من أي وقت مضى. وملخص ذلك ما سبق وأشير إليه في هذه المساحة من ان المملكة تدعم الجيش والشرعية في لبنان، وإيران تدعم جيشها وشارعها في لبنان! وفي حين أن الأمر الأول مدار إجماع وطني في واقع منقسم، فان الثاني مدار انقسام حتى في واقع يُفترض أنه موحّد!
وفوق ذلك، فان معظم اللبنانيين، بمن فيهم جمهور «حزب الله» نفسه، لا ينظر إلى «الهدية» الإيرانية للجيش نظرة جدّيةّ أو تتضمن أي نوع من الصدقية. والمفارقة، ان ذلك الجمهور يتفق في ذلك مع خصوم إيران، الذين حوّلت الجزء الأكبر منهم إلى أعداء، اتفاقاً لا شائبة واحدة فيه!
.. وهذا إنجاز في حدّ ذاته، يمكن إيران ان تأخذ به وتفتخر! وتكفّ بالتالي عن امتهان عقول اللبنانيين بعدما أمعنت في امتهان شرعيتهم ومؤسساتهم الدستورية!