القاعدة التي حكمت حلّ عقدة توزير “سنّة حزب الله” في الحكومة، هي ذاتها التي حكمت قبل الآن التسوية الرئاسية التي أنهت الفراغ الخطير في الموقع الدستوري والسيادي الأول وأنتجت (برغم بعض الهنّات) إيجابيات كثيرة، أكان على صعيد التعيينات أو إجراء الانتخابات النيابية أو على صعيد الجهد الحكومي الذي قاده الرئيس سعد الحريري لوقف الانحدار مالياً واقتصادياً وتنموياً (ومعنوياً!) والذي كان مؤتمر “سيدر” في باريس إحدى ذراه الحميدة!
وهذا الذي حصل ويجري العمل على تظهيره بسرعة لإخراج التشكيلة الحكومية إلى الضوء و”الحرية”.. يشبه في تفاصيله وعموميّاته الواقع اللبناني القائم وليس المتخيّل ولا المُرتجى، واستناداً (من جديد) إلى حقيقة (مُجمع عليها!) تقول بأن الحسبة هي الاختيار بين السيّئ والأسوأ وليس بين السيّئ والجيّد! ولا بين الصحّ والغلط! وبهذا المعنى المباشر واجب التذكير تكراراً ومراراً وإلى أن يملّ القنوط وينحني وينزوي، بأن لبنان في وضع نسبي أفضل حالاً من أوضاع سوريا مثلاً! أو اليمن! أو حتى العراق!.. وإن بقاءه ضمن دائرة الهدوء القلق، البعيد عن النيران المشتعلة في جواره، هو معجزة فعلية وأكيدة.. ومثيرة للحنق المزدوج الإسرائيلي من جهة والأسدي من جهة ثانية!
.. وإن التسوية المرعية دولياً والتي تفرضها في بعض جوانبها الحسّاسة حقيقة وجود مئات الألوف من النازحين السوريين في لبنان وأي انفجار فيه سيعني “إنفجار” نزوح أرقام كبيرة من هؤلاء باتجاه البحر الأوروبي أساساً.. هذه التسوية فيها الشيء الكثير من اسمها ومعناها حيث الإقرار لا مهرب منه بأنها في الاتجاهين. وقريبة من التوازن اللبناني المألوف، برغم وطأة “حزب الله” وسلاحه وسياساته وارتباطاته الإيرانية المكلفة والأكبر من لبنان واللبنانيين.. وبرغم أن ذلك في جملته يدفع بالكثيرين إلى المبالغة القائلة بأن البلد صار “محكوماً” من ذلك الحزب! وإن “قراره” فيه صار يوازي قرار “الوليّ الفقيه” في إيران! وإن التشكيلة الحكومية الآتية ستكمل العقد وترسّخ “سيطرته” على السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد فرض “سلطته” التسليحية!
وهذا في واقع الحال منطق يُعين “حزب الله” ولا يضيره! ويصبّ في خدمته سياسياً وإعلامياً وليس العكس! وهو الذي يعطي أهمية استثنائية وكبيرة للشكل قبل المضمون. ويهمه كثيراً وكثيراً جداً أن يبقى يطلّ على رَبْعِه وناسه من موقع المنتصر الدائم! حتى لو عنى ذلك في المضمون (بل المطلوب أن يعني ذلك) التغطية على “نتاجات” حرب العام 2006 مثلاً. وخسائرها البشرية والمادية ثم “المبدئية” المتمثلة بالقرار 1701.. أو عن التغطية على حقيقة أن اللبنانيين في جملتهم الكاسحة وفي دولتهم ومؤسساتهم وخزينتهم العامة واقتصادهم وبُناهم التحتية الخدماتية وصلوا إلى ذروة التأزّم.. وعلى بعد خطوات قليلة من الانهيار على الطريقة اليونانية أو الارلندية!
هذه الحكومة الآتية ليست انتصاراً لفريق وانهزاماً لآخر! وليست “تثبيتاً” لغلبَة “حزب الله” على حقائق لبنان واجتماعه السياسي والطوائفي والمذهبي.. قد تكون فيها بعض الغلَبَة لمناخات الممانعة التي يقودها الحزب، لكنها ليست عنواناً لأي “إنتصار” يضاف إلى خزنته! له فيها مثلما لغيره! وتعكس وزنه مثلما تعكس أوزان ذلك الغير.. و”مصلحته” فيها مثل “مصلحة” الآخرين! ولا تغيّر المزايدات من على يمين الرئيس الحريري شيئاً في هذه المعادلة الدقيقة.. الحدّ الأدنى من التوافق باتجاه تسيير أمور الدولة والناس وإبقاء الفرن الأهلي بارداً هما في المحصلة الجامعة “انتصار” لكل اللبنانيين! وانكسار لإرادة تخريبية أسدية قميئة! و”مصلحة” الجميع أكيدة هنا، بعيداً (مرّة أخرى) عن موازين الصحّ والغلط.. والتي تعني مثلاً الالتزام العقيدي باستحالة قبول ازدواجية سلاحية في أي دولة مُعتبرة ومحترمة ومكتملة! واستحالة التسليم بالتطاول الفظّ على المبادئ الدستورية الحاكمة لعمل السلطات وتوزّعها وصلاحيات كل سلطة فيها!
.. التسوية الأهلية جيّدة في الأساس والأصل! حتى لو كانت سيّئة أو ناقصة فهي تبقى خيرٌ من ألف ألف خلاف وعبث وكوارث سبق للبنانيين أن دفعوا أثمانها وذاقوا مراراتها حتى الامتلاء!
مبروك # مبدئياً وبالجملة!