تقف هبى أمام مرآتها غاضبة. «ما هذه القوانين البالية التي تُجبرني على نقل نفوسي بعد الزواج؟»، «لما لستُ حرّة؟»، «لما لا يحق لي اختيار مكان قيدي وإن كنتُ سأبقى مسجّلة في القرية مكان ولادتي أو إذا أردت أن أنضمّ إلى مكان قيد زوجي!».
لا تتمتّع المرأة اللبنانية بخيار نقل مكان قيدها أو الإبقاء عليه بعد الزواج. وتؤكّد مستشارة تنمية المشاريع وتطويرها في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، ريتا الشمالي لـ«الجمهورية» أنّ «قيد المرأة عندما تتزوّج، يُنقل إلى مسقط رأس زوجها، فكل امرأة تتزوّج تخضع إلى نقل نفوسها مباشرةً بإجراء روتيني لتتبع زوجها حسب قوانين الأحوال الشخصية ما يُعبّر صوَرياً عن أنها تنتقل من حكم والدها إلى حكم زوجها».
الإجراءات والقانون
بعد إتمام الزواج في لبنان يجب تسجيله حتّى يتسنّى للزوجين تسجيل الأولاد ثمرة هذا الزواج والحصول على الوثائق الثبوتية والرسمية… بموجب تنفيذ الزواج تُنقل المرأة التي تزوّجت إلى خانة زوجها. على إخراج القيد العائلي لوالدها وعائلته يظهر اسمُ الأب والأم والإخوة وتظهر هي مشطوبة بخطّ أحمر ويُكتب كملاحظة مثلاً: «نُقلت بالزواج إلى جزين رقم السجل 14 ماروني»، ولكن يبقى اسمها مقروءاً.
وبعد تنفيذ زواجها تُقدِّم على طلب تذكرة جديدة بموجب إخراج قيد جديد في قلم النفوس الذي باتت تابعة له مع زوجها، فتُؤخذ تذكرتها القديمة وتُمنح أخرى جديدة على أنها متأهّلة من «فلان»، برقم سجل جديد، ومنطقة جديدة. يعني «كأنّها خُلقت من جديد»، أمّا هو فيكتفون بكتابة كلمة «متأهّل» على تذكرته الجديدة، وحتّى إنهم لا يذكرون اسم الزوجة!
عند المسيحيين يتمّ تنفيذ الزواج فوراً بعد إتمامه، أما عند المسلمين فقد يتزوّجان وينقلها الزوج إلى خانته من دون أن تحصل علاقة جنسيّة بينهما.
الطلاق
في حال الطلاق دون حصول علاقة جنسية بين الزوجين المسلمَين يُشار على قيد المرأة إلى أنها «مطلّقة بمثابة عزباء». أما وإن تزوّجت ونُقلت إلى قيد زوجها، وعاشت في البيت الزوجي قبل أن تُطلق، يترافق اسمها مع عبارة: طلاق بتاريخ كذا… عند المسلمين، ويضعون في خانتها فسخ زواج أو بطلان زواج عند المسيحيين.
إعادة قيد مطلّقة
لا يعاني الرجل كلّ هذا التمييز المُصوّب ضد المرأة في هذا السياق، لأنّ قيده لا يُنقل بل هي التي تتحمّل الإجراءات المُعقّدة لتُحدّد السلطات على قيدها مَن تزوجت ومِن مَن تطلّقت وأين نُقلت؟ حتّى إنهم يحدّدون إن تزوّجت وبقيت عذراء («مطلّقة بمثابة عزباء»)!
الدولة بكافة أجهزتها جالسة لها بالمرصاد لتعرف بمَن ارتبطت، ولتجبرها على اتّباع زوجها لاحقةً مكان قيده، ولتحدّد تنقّلاتها إن عادت وتزوّجت، فالمرأة تحمل على سجلّاتها، آثار كلّ خطواتها الشخصية.
ها هي نتالي تزوّجت لمدّة عام وتطلّقت. على رغم أنّ الزواج كان مدنياً ولم يتمّ في لبنان، ولكن بكونه مسجَّلاً في لبنان، تُعامَل كما كلّ اللبنانيات. شُطبت عن سجلّ قيد والدها ونُقلت بحكم الزواج إلى قيد زوجها في قرية لبنانية «بآخر ما عمّر الله».
بحسب القوانين المرعيّة الإجراء في لبنان، يمكن أن تبقى المرأة على قيد الزوج الذي طلّقته وأن تُمارس حقها بالانتخاب في مسقط رأسه بعد الطلاق، دون أن تُعيد قيدها إلى بيت أبيها، ولكن يُكتب على السجلّ العائلي الذي يجمعها بزوجها مطلّقة من «فلان» وتاريخ الطلاق وتنفيذه. ويمكن أن تتزوّج مرّة أخرى بعد الطلاق وهي على قيد طليقها، لتُنقل منه مباشرةً إلى قيد رجل آخر.
أمّا وإن أرادت أن تُعيد اسمها إلى «بيت أبيها» بعد الطلاق، فعليها أن تُعاني سالكةً جلجلة إجراء معاملة «إعادة قيد مطلقة» في «مصلحة النفوس»، حيث تُقدّم طلباً مُصادَقاً عليه من المختار، والمستندات: «إخراج قيد عائلي لوالديها، إخراج قيد عائلي للزوج المطلّق، صورة عن وثيقة الزواج، وصورة عن وثيقة الطلاق». كلّ ذلك وهي لا تعود إلى خانة «بيت أهلها» وحسب، بل تُكتب قرب اسمها كلمة «أُعيدت».
تزوّجت من أجنبي
في حال واحدة تبقى على خانة أهلها بعد الزواج ويُشطب وصفها بـ «عزباء» لتحلّ مكانه عبارة «متأهّلة من»، إذا كان الزوج أجنبياً وهي لبنانية. ولكن، حين تُنجب الأولاد يُدرجون على خانة الوالد الأجنبي، و»بتحلم تعطيُن جنسية لبنانية»!
خطوة على طريق الألف ميل
مجلس النواب أقرّ حقّ المرأة المتزوّجة بالترشح في بلدتها الأم خلال الانتخابات البلدية، ولكنّ الطريق طويل لرفع الظلم والتمييز عن المرأة وضمان احترامها على أنها انسان يتمتّع بحرّية اختيار مكان اكتتابه، فيتوقف زوجها عن تسجيلها باسمه مُجبَرةً إذ لا خيار آخر لديها بعد الزواج، وكأنها سيارة يسجّلونها يوماً في جونية وآخر في صيدا حسب مكان قيد مالكها!