IMLebanon

في تلازم المسارين!

 

من كان ليظن أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستصير بشكل أو بآخر، محكمة مزدوجة خاصة بلبنان كما بسوريا.. ومعنية بالمستقبل السوري مثلما هي معنية بالماضي اللبناني؟

«الماضي» الذي يعني ما حصل من ممارسات السلطة الأسدية في لبنان. و«المستقبل» الذي يعني، انها «بروفه» عفوية تلقائية لما ينتظر تلك السلطة في أرضها تبعاً لما فعلته ولا تزال، في حق السوريين.

«تلازم المسارين» في العدالة، معطى لم تخترعه آلة السلطة الأسدية لتبرير إلغائها سيادة اللبنانيين على أرضهم وقرارهم، بل أوجدته التطورات التغييرية العاصفة التي ضربت تلك التركيبة وأوجدت ذلك التزامن الأخّاذ بينها وبين استمرار السعي الى الحقيقة في الجرائم المسجلة في الداخل اللبناني.

شيء من التاريخ وأقداره، يربط بين وصول المحكمة «اللبنانية» الى اللحظة العميقة في عملها، ووصول السوريين والعرب والمسلمين والعالم الحر الى اللحظة العميقة في وعي مقدار الأضرار التي تسببت وتتسبب بها السلطة الأسدية إزاء تلك المستويات مجتمعة، والتي يُعتبر انطلاق الارهاب التكفيري الى ذرى غير مسبوقة، برغم كل ما فعلته «القاعدة» في 11 أيلول 2001 وبعده، شيئاً من أشيائها، ومنتجاً ملتبساً من منتجاتها.. وآخر خرطوشة مدوّية تطلقها في سياق لعبة البدائل التي ارتأتها ورمتها في وجه كل من أراد ويريد التصدي لها والانتهاء من حكمها، ووضع حدّ لادعاء ملكيتها الحصرية لسوريا أرضاً وبشراً واقداراً وأعمارا!

في محاكمة تاريخ جرائم التركيبة الأسدية في لبنان، تحضير (قدري غير مخطط!) لمحاكمة تاريخ وحاضر وآتي جرائمها في سوريا.. وكأن اللبنانيين في مسرح يجلسون في مقاعده الأمامية، فيما السوريون في المسرح ذاته لكنهم يجلسون في مقاعده الخلفية. والجميع يتفرج على سيرة إجرامية متعددة الأبعاد والضحايا، لكنها من صنع مجرم واحد.. وهذا فعل الممكن والمستحيل كي تبقى ارتكاباته في الظل ومخبأة تحت ثقل التسويات والصفقات المخزية، لكنه فشل. مثلما فعل الممكن والمستحيل كي تبقى سيطرته الاستحواذية المافيوزية الفئوية على سوريا محل قبول إذعاني استسلامي داخلي ونتيجة وظائف وأدوار على المستوى الخارجي، لكنه أيضاً فشل، ولم يتمكن من موازنة التسويق المقبول اقليمياً ودولياً مع تراكم التبرّم ودواعي التمرد في الحالتين الوطنيتين اللبنانية والسورية.

والمفارقة هي ان المحكمة (الدولية) كمعطى حديث في العالم السياسي العربي، او بالأحرى في عالم الاجرام السياسي العربي، لم تأخذ أي دور مماثل في الدول التي شهدت تغييراً عنيفاً في سلطاتها على مدى الأعوام الأربعة الماضية، إلا في حالة مصر ومن زاوية محلية وفي سياق تحسمه هوية النظام ومسؤولياته، عدا مقاربتها لممارسات «نظام سابق».. في حين انها في الحالة اللبنانية السورية تتصدى وتقارب بوعدها العقابي والتشهيري والفضائحي، سلطة لا تزال وظائفها الاجرامية والتقتيلية والاعلامية قائمة وموجودة و«تعبّر» عن وجودها بمعدل وسطي لعدد ضحايا يقاس بالعشرات يومياً!

.. كان يمكن لهذه المحكمة أن تطول في سياق نيّة ألا تصل الى أي مكان، لكنه «تلازم المسارين» إيّاه حَكَمَ بالعكس وطَبَعَ شعاره: محكمة واحدة، لمجرم واحد، في دولتين!