Site icon IMLebanon

لمصلحة من إبقاء لبنان ساحة لتصفية الحسابات وإغراقه بالخلافات؟

     تنفيذ مقررات وثيقة بعبدا مسؤولية موقّعيها ولا يجوز التنصل منها

لم يكد حبر مقررات وثيقة بعبدا يجف، حتى جاءت المواقف التصعيدية للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ولعدد من نواب الحزب، لتثير المخاوف على الوضع في لبنان وتطرح علامات استفهام حول ما يمكن أن يواجهه البلد من تطورات سياسية وأمنية، في ظل الورشة الاقتصادية والإنمائية التي بدأها العهد وحكومة الرئيس سعد الحريري، من خلال ما تم التوافق عليه في لقاء بعبدا التشاوري الذي وضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة، وما أشاعته من أجواء تفاؤلية بإيجاد الحلول للكثير من الملفات التي تشكل تحدياً أساسياً في المرحلة المقبلة، وسط تساؤلات عديدة عن المبررات التي دفعت نصر الله إلى قول ما قاله، وما تركه ذلك من مخاوف حقيقية على لبنان في المرحلة المقبلة، بالتزامن مع التوترات الأمنية التي تحصل في المخيمات الفلسطينية، وهو ما أثار قلقاً من مغبة أن يكون ذلك مقدمةً لتوترات أمنية أوسع في أكثر من منطقة لبنانية، بالرغم من الأجواء الإيجابية التي يحاول العهد إشاعتها داخلياً وخارجياً، في إطار إظهار لبنان وقد استعاد عافيته واستقراره، فيما في الواقع أن هناك من يسعى إلى إبقاء هذا البلد ساحةً لتصفية الحسابات وإغراق اللبنانيين بالخلافات الداخلية للتصوير على أن لبنان لم يستعد عافيته واستقراره وللتأثير على انطلاقة العهد وسمعته.

وتسأل في هذا الإطار أوساط نيابية في «تيار المستقبل»، عن أسباب ودوافع استحضار نصر الله لتجربة مشاركة حزبه في سوريا والاستعداد لتكرارها في لبنان، في هذا الوقت بالذات، حيث تعمل الدولة على استنهاض دعائمها من جديد وبناء مؤسساتها السياسية والأمنية، بعد مرحلة صعبة من الانقسامات الداخلية، وما إذا كان ما تم الإفصاح عنه من قبل قيادات «حزب الله» مقدمة لإعادة ربط لبنان مجدداً بسيناريوهات المنطقة على حساب مصالح شعبه، فيما المطلوب من القوى السياسية وخاصةً التي شاركت في التوقيع على وثيقة بعبدا، أن تعمل على ترجمة بنود هذه الوثيقة وبما يمكن العهد من إنجازها، لما تتضمنه من رؤية اقتصادية وإنمائية للمرحلة المقبلة، بإمكانها معالجة الكثير من الملفات التي تشكل تحدياً لا يُستهان به أمام العهد والحكومة وبما يمكّنهما من ترجمة خطاب القسم والبيان الوزاري في أسرع وقت، وتحديداً بما يتصل بسلسلة الرتب والرواتب والموازنة وملف الكهرباء والنفايات والنفط، وهي ملفات بقيت عصيةً على الحكومات السابقة التي واجهت صعوبات عديدة في التعامل معها وإيجاد الحلول الناجعة لها.

ولا تخفي الأوساط النيابية القول، إن التهديدات بإعادة لبنان ساحةً لتصفية الحسابات، قد رسمت ظلالاً من الشك حول مدى قدرة الحكومة على تنفيذ ما تم التوافق عليه في حال لم تؤمّن المكونات السياسية المشاركة في مجلس الوزراء الأجواء المطلوبة لإنجاز مضمون وثيقة بعبدا، خاصةً وأن الأرقام الاقتصادية لا تحمل كثيراً على التفاؤل، لا بل تثير المخاوف من مغبة دخول لبنان في النفق، في حال لم تعمد الحكومة إلى السير بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة على أكثر من صعيد وبما يمكّنها مع انطلاقة العهد الجديد، على تجاوز المطبات الكثيرة التي تعترض عملها في أكثر من مجال، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلاّ في إطار مظلة توافقية للقوى السياسية على مختلف انتماءاتها، لإعطاء دفعٍ قوي للإرادة الحكومية بهدف إخراج البلد من أزماته المتلاحقة، بعيداً من أي تهديدات لن تكون في مصلحة أحد، بقدر ما ستعيد تأزيم الأمور وخلق أجواء من التوتر الداخلي وإيصال الرسائل في أكثر من اتجاه، وهذا من شأنه ألا يخدم المسيرة السياسية للعهد، لا بل أنه سيجعله عاجزاً في المرحلة المقبلة عن تنفيذ ما وعد به في خطاب القسم، وتالياً جعل الحكومة أسيرة إملاءات تُفرض عليها لن تساعدها بالطبع في الإيفاء بتعهداتها في بيانها الوزاري، ما سيجعل لبنان مجدداً عرضةً لمرحلة جديدة من التعقيدات والأزمات التي لا تنتهي.