ليس صعباً الافتراض، بأنه حتى لو قَبِلَ الرئيس سعد الحريري (مع عشرة خطوط تحت “الحتّى لو” هذه!) بشيء تسووي يفكّ أسر التشكيلة الحكومية من جنازير “حزب الله”.. “حتى لو” حصلت هذه الاستحالة الصغيرة، فإن الحزب لن يتردد في إخراج أرنب آخر من بين أكمام قميصه وإطلاقه في مِرَاح التعطيل راكضاً وقافزاً في كل اتجاه من دون أن يتمكن أحد من “اصطياده”!
التعطيل قرار قائم في ذاته لحساب إيران “وحربها” المفتوحة مع “الشيطان” الأميركي! وقصّة توزير “سنّة حزب الله” توضع في رفوف هذه “المكتبة” العامرة إلى جانب قصص مشابهة يقرأها كل مَن يريد القراءة، في بغداد واليمن وسوريا واستطراداً لبنان.. وليس من الحصافة ولا من حسن التدبير ولا من علامات النباهة وسعة الأفق وطول الباع في التفسير والتحليل، حمل معطى “الوفاء” على محمل الجدّ! ولا أخذه من أبواب الأخلاقيات والبديهيات والضرورات التامّات.. فذلك في جملته (الحزينة!) ليس من أصلاب مدوّنة أداء الحزب في الشؤون الجدّية! ولا من عدّة شغله في القضايا الحرزانة، بل الذي يعرفه كل مَن عليها، معرفة مسنودة بوقائع علنية وغير علنية وبحكايات وواقعات وطالعات ونازلات هو أن الحزب المؤدلج والمدرّع شاطر في التكيّف تحت سقف مَصالحه وارتباطاته.. وقادر على ارتكاب الليونة ساعة تقتضي ضرورات تلك المصالح والارتباطات، ولا مشكلة عنده في تبرير ذلك، ولا في اجتراح الفتوى المناسبة والملائمة!
يمكنه ببساطة تامّة أن يقيم الدنيا ويقعدها ويعقّدها تحت أستار محاربة “الإرهاب التكفيري”، وأن يتهم كل أخصامه وأعدائه في سوريا ولبنان والسعودية (وأينما كان!) بتلك المثلبة الكاسحة، لكنه لا يتورّع عن إتمام صفقات تامّة مع ذلك “الإرهاب”! أكان في شأن أمر تبادلي يخصّه، أو في شأن إتمام “الانتصار” في جرود عرسال، أو في شأن الكثير والعديد من “المعارك” التي جرت على الأرض السورية؟ وفي هذا كلام كثير وكبير! مثلما لا يتردّد في “تفسير” التاريخ واستخدامه تبعاً لاقتراب صاحب ذلك التاريخ منه أو ابتعاده عنه! ومثله في ذلك مثل إيران نفسها التي أخذتها “براغماتيتها” إلى حدود استقبال واستضافة ورعاية أهل “القاعدة” نفسها!
وكان يمكن أن يكون هذا الأداء إيجابياً برغم سلبياته وأحد تعبيرات السياسة المألوفة ومبادئها المطّاطة والمتقلقلة والمتحرّكة على الدوام وعلى الضدّ من المبدئيات واليقينيات في الكثير من الحالات، لكن واقع الحال، مع الحزب هو أن قياساته الخاصة جداً والشديدة الأنوية لا تسمح بتعميم “فوائد” ذلك المردود على مَدَيات أبعد منه أكانت هذه تتعلق بـ”المصلحة الوطنية العامة” في لبنان، أو بالمشتركات الكبرى في العالمَين العربي والإسلامي.. وبهذا المعنى يصير نتف الشَّعر طقساً “طبيعياً” استنكاراً للمعضلة الحسابية المارقة التي تجعل “حزب الله” قاصراً عن رؤية الإيجابية “الشاملة” في إخراج التشكيلة الحكومية من أسر توزير أحد النواب الستّة وغير قادر (أو راغب!) في “إقناع” رعاته في طهران بأن “فوائد” ذلك أكثر من أضراره، حتى تحت سقف المواجهة المفتوحة مع الأميركيين ومنظومة العقوبات في جملتها!
قرار التعطيل إيراني بلغة توزيرية لبنانية، مثلما هو في العراق بلغة محلية متّصلة بإسم وزير الداخلية المرغوب، مثلما هو في اليمن بلغة حوثية، مثلما هو في سوريا بلغة العودة إلى التهديد بفتح معركة إدلب برغم التدبير الروسي – التركي فيها.. مثلما هو في الاجمال صادر عن جذر واحد (لم يتغيّر بعد) مفاده العام أن إيران تُعنى بمصالحها على حساب القريب والبعيد، وتبني تلك المصالح على دمار الآخرين ومثلها يفعل “حزب الله” حتى لو جاء الثمن هذه المرّة أيضاً، من حسابه وحساب جمهوره وليس فقط مثل العادة، من حساب لبنان واللبنانيين عموماً!