IMLebanon

في «الحوار» الإيراني

 

عندما تريد إيران تسعير استهدافها للمملكة العربية السعودية يأخذ «حزب الله» المهمّة بصدره ويروح إلى تنفيذها على طريقته: يقول ما لا يجب أن يُقال! وما لا تريد إيران «الدولة» أن تقوله مباشرة! ويذهب في الغلوّ إلى حيث لم يسبقه أحد! ولا يترك جسراً إلا وينسفه! ولا يعوّف افتراء إلاّ ويطلقه! ثم لا يتردد في إشهار عداء يتخطى السياسة وراهنها، وصولاً إلى المسّ بالقيم الجامعة نفسها!

.. ثم عندما تطلب إيران «الحوار» مع المملكة العربية السعودية، أو بالأحرى تحاول العودة إلى ازدواجيّتها المألوفة، يأخذ «حزب الله» أيضاً المهمة بصدره وعلى طريقته البلاغية المنفوخة إيّاها: يطرح الأمر وكأنّه يقدّم «خدمة» للسعوديين! و«ينصحهم» من باب الحرص عليهم! ولا ينسى (بالمناسبة) أن يغلّف مسعاه «الحميد» هذا بأردية الردح والهجاء والافتراء والتجنّي!

وفي الحالتين يعتبر نفسه جزءاً عضوياً من إيران وآلتها وسياساتها. ويزايد في ذلك حتى على إيرانيين كثر، يمكن الدلالة عليهم في صفوف الإصلاحيين الحاملين نهجاً يضجّ بالأسئلة الكبيرة عن فحوى المشروع الاقتداري الذي لم يُنتج سوى الفتن والبلايا السوداء لعموم المنطقة وأقوامها وكياناتها وثرواتها وقيمها!

والغريب الغريب، أن الحزب في الحالة الراهنة ينصاع لأجندة طلب الحوار لكنه يستخدم لغة من لا يريده! أي كأنّه ينفّذ مضطراً طلباً لا يستسيغه ولا يتمنّاه ولا يجاري أصحابه به! حتى وإن كان أصحابه هؤلاء في طهران يعرفون سلفاً، أنّ شروط دعوتهم لم تُكتمل بعد ولن تكتمل على ما يبدو قريباً، طالما أنّ أجندتهم قائمة ومستمرة على ما هي عليه من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان… وطالما أنّ المنطق العاري يقول بأنّهم يتذكّرون اليوم فضائل المعطى الحواري مع دول الجوار العربي والإسلامي، بعد أن اصطدمت حساباتهم الدولية بأداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبمواقفه العدائيّة المُعلنَة إزاء أدوارهم الخارجية، وغير ذلك من شؤون يتصدّرها التشكيك بالتزامهم نصوص «الاتفاق النووي».

دفعَ المسلمون والعرب أثماناً كبيرة وخطيرة جرّاء المسعى «الثوري» الإيراني بينهم. وليس من الحصافة في شيء نكران ذلك أو ادّعاء أمر مضاد. لكن على الجانب الآخر من الصورة القاتمة، هناك حقائق لا تريد طهران الإقرار بها، ولا الالتفات إليها ولا أخذها في حسبانها: تدّعي «نفوذاً» في أربع عواصم عربية، وتطرح الأمر بصيغة الاقتدار التام، لكنها (مجدداً ودائماً) تتجاهل أنّ مشروعها الانقلابي في اليمن يتدهور ولا يتقدم! ويتراجع ولا يترسّخ! وإن وضعها في العراق لا تُحسد عليه في دواخل البنية المذهبية التي راكمت على حسابها ما تدّعيه من اقتدار! وإن الحرب في سوريا راحت بـ«القطر الشقيق» إلى غير ما كان عليه قبل العام 2011! وإن الرعاية الحصرية التي تمتعت بها طويلاً تفتّتَت إلى جزئيات موزّعة بالطول والعرض وعلى القريب والبعيد! وإن لبنان «العزيز» كان ولا يزال عصيّاً على القولبة المحورية المدّعاة برغم كل ظواهر القوة والاستنفار والتعبئة عند «حزب الله»!

.. ثمّ الأخطر المستجدّ، هو أنّ «العامل» الكردي عاد من أبواب المشروع الإيراني وليس من خارجه! وليس افتراءً على العقل الافتراض أنّ هذه العودة تقلق إيران وتبخّس دواعي «اطمئنانها» إلى نجاح استراتيجيتها التدخّلية في أمور جيرانها وشؤونهم!

.. قضية «الحوار» مع السعودية، تحتاج بالتأكيد، إلى مراجعات إيرانية كثيرة وكبيرة، ومن ضمنها (إذا أمكن) تخفيف غلواء «حزب الله»، والكفّ عن توريطه بما لا تريد هي، دولة «الولي الفقيه» التورّط فيه مباشرة..