IMLebanon

في الفشل الإيراني

 

ضاقت خيارات الحكّام الإيرانيين في شأن المشروع النووي، وستَضيْق أكثر فأكثر. وضاقت في شأن «تصدير الثورة» وإشاعة الفتن وتخطّي الحدود والسدود والقيم والأعراف، وستضيق أكثر فأكثر.. وضاقت قبل ذلك وفوقه في الداخل الوطني تبعاً لانكشاف الخواء على وسعه بعد أربعة عقود من السيطرة والتجربة، وستضيق أكثر فأكثر.

 

وهذه بالتأكيد، ليست أحلى أيام أهل الحكم في طهران! حتى وإن اشتغلت الآلة التعبوية على مداها محاولة تظهير العكس. والقول في الإجمال والعموم، إن الدنيا بألف خير! وإن «الانتصارات» المتراكمة حوّلت «الثورة» إلى أيقونة تعلّقها «الشعوب السعيدة» في أعناقها امتناناً لها على طمرها زمن البؤس تحت التراب!

 

ولأن البدايات تحدّد النهايات، والمقدّمات تدلّ على الخاتمات، والحسابات الغلط لا تنتج حاصلاً صحيحاً، فإن ما تواجهه إيران راهناً ستواجهه مستقبلاً، هو نتيجة منطقية تامّة لما صنعته قيادتها أولاً وأساساً. وليس نتيجة جهد تآمري متعدّد الهويات والأبعاد والأجناس والطبقات!

 

العجز في الأساس عن استيعاب استمالة قبول العالم الآخر، شرقاً وغرباً! وشرقاً قبل غرباً، امتلاك نظام «غير موثوق»، وقياساته خلاصيّة غيبية تماماً، سلاح دمار شامل، كان البداية الخطأ التي أوصلت «المشروع» إلى الحائط المسدود.. ومحاولة نطحه لرميه في الأرض كسرت الرأس وأظهرت الخسارة! وهذه بأكلافها الأسطورية المدفوعة حتى الآن، كانت كافية لتعديل الميزان التنموي والاقتصادي والمالي في «دولة الثورة»! وسيعني تطوّرها (الخسارة) عقابياً وسياسياً وربما عسكرياً (؟) تظهير مخاطر وجودية على النظام نفسه.

 

سقط الرهان الكلّي على تعويض خسارة إنتاج «القنبلة» برفع العقوبات، واستخدام المردود لتعويض الفشل الذي قال عنه وزير الداخلية الإيراني (الحالي) أنه يَطَال كل شيء تقريباً.. وهذا السقوط بدوره، كان صناعة ذاتية تامّة وليس بفعل «التآمر الغربي الخبيث».. قيادة طهران هي التي افترضت أنّها «أذكى» من «أعدائها»! وأنها تستطيع قيادة اللعبة وفق قوانينها وقياساتها المزدوجة، أي يمكنها «العودة» إلى النادي الدولي من باب «الثورة»! أو يمكنها إدّعاء المحورية والقطبية على مستوى الجوار الجغرافي وتوسّل كل طريقة غير شرعية وغير دستورية من أجل ذلك، فيما «تلتزم» المعايير المطلوبة والصحيحة مع باقي دول العالم!

 

وليس افتراء على الحقيقة أبداً، القول بأنّ واشنطن بقيادة السيّئ الذكر باراك أوباما ومعها وخلفها كل دول الصفّ الأول أوروبياً، إضافة إلى روسيا والصين.. أعطت إيران فرصة كبيرة من خلال «الاتفاق النووي». وفتحت لها الأبواب على وسعها. وراحت هذه تتسابق في «العودة» إليها، على المستويين الرسمي والخاص. وإن ذلك في جملته، تمّ بآذان ديبلوماسية مقفلة، أي من دون الاستماع إلى التحذيرات الإقليمية، العربية أساساً، من مخاطر الانفتاح غير المضبوط والمشروط. لكن طهران، (وليس غيرها) ضيّعت الفرصة وأعادت الأمور إلى المربّع الأول، من خلال أدائها العدائي النافر إقليمياً، ومواصلتها تهديد مصالح الكبار والجوار، وادّعاء قدرتها على طلب «الشراكة» الوصائية معهم من أبواب الابتزاز والتخريب والترهيب والفتك بالأسس والقيَم التي تقوم عليها العلاقات الصحيحة والصحيّة بين الدول!

 

والترابط بين الداخل والخارج حتمي وطبيعي، سوى أن قيادة طهران اعتمدت حسبة خاصة بها، ومغايرة لتلك التي تقول إن «نجاح» الدول يبدأ من داخلها وليس من خارجها.. بحيث ارتأت تلك القيادة ولا تزال، أن بيع الإيرانيين «انتصارات» إقليمية، من اليمن إلى سوريا إلى لبنان مروراً بالعراق (وأي انتصارات؟!) يعوّض عن ضمور التنمية وازدياد الفقر وهبوط أسعار العملة الوطنية وازدياد عدد المهمّشين وسكّان العشوائيات وتنامي وقع الجفاف تبعاً لمشاريع سدود مائية قصيرة النظر وكارثية.. إلخ. قبل أن يتبيّن العكس. بمعنى آخر: لا يمكن لفاشل أن يصدّر أو يُنتج نجاحاً! وأيّ إدعاء آخر لا يوصل إلاّ إلى ما وصلت وستصل إليه إيران.. كوارث بالجملة لها ولغيرها. والآتي أعظم!