IMLebanon

في الاستفتاء الكردي

 

لا يزيد الاستفتاء الكردي المرتقب في الأيام الآتية، على أمور المنطقة شيئاً استثنائياً! ولا يُفترض أن يكون كذلك.. إلا إذا أخذ الكلاميون في المدار الإقليمي العام، ذلك الحقّ البديهي لأمّة ما بتقرير مصيرها وتصحيح شوائب الدهر ونوائبه، على أنّه تآمر إضافي، يستهدف «تفتيت» المنطقة! و«شرذمتها»! وإعمال السكين في «وحدتها»! و«إنعاش» الفوارق في «اجتماعها!» ثمّ الأخطر، تعريض «أمنها القومي» لمخاطر «وجوديّة» و«مصيريّة» كبرى!

في المبدأ العام، لا يصحّ إلا الظنّ، بأنّ الذهاب الكردي الى مغامرة الاستفتاء على تقرير المصير، ما كان ليكتمل مسعاه لولا التهتّك الفاتك بالمنطقة الشرقية العربية منذ اندلاع «ثورة» إيران قبل نحو أربعة عقود من الآن! ولولا انفتاح المدار والمجال، على مناحي التفتيت المذهبي بعد الطائفي، والعرقي بعد الوطني. ثمّ انقلاب «أولويات» القضايا ذات الطابع «المقدّس»! وصيرورة الارتداد الى الذات، بكل هوياتها ومراميها وعناوينها وقيمها، أَولَى من الانشداد الى نقائضها، المركونة منذ أيام السلطنة العثمانية مروراً بالمرحلة الاستعمارية الغربية الفرنسية والبريطانية، وصولاً الى المرحلة الإسرائيلية الراهنة، في فضاءات عامة وواسعة وموضوعية لا تُجَادَل. حيث اللغة والعرق والجغرافيا والروابط الدينية (الغالبة). تُضاف في جملتها على تحديات الاحتلال الموجود! والملموس! والقائم على مدار الساعات والأعمار، لتشكّل كلها إطاراً مُحقّاً لادّعاء جماعي ما! وأساساً لكلام وحدوي.. بغضّ النظر عن مآلات هذه وتلك!

لا يمكنني أن أزعم وأدّعي كعربي، يبحث عن حقّه الضائع في فلسطين، أنّه ليس من حق الكرد الذهاب الى ما يرونه كيانهم الاستقلالي السيادي المؤجّل! وإلى رفع ما يعتبرونه ظلماً لحِقَ بهم، عن كاهلهم! لكن يمكن الزعم والادّعاء بأنّ ما يحصل وسيحصل ليس إلاّ تضارباً بين حقّين: عربي (وعراقي أولاً) يقضي بالتمسّك بالخرائط الوطنية والتهيّب من الدخول في تجارب مناقضة للموروث الوحدوي العميق، في ذوات الصدور كما في الكيانات القائمة، على علاّتها وأمراضها. وكردي يقضي بالوصول الى الغاية الأخيرة من الاستفتاء المزمع، أي الانفصال عن العراق والمباشرة في ما سمّاه مسعود البرزاني نفسه، «مغامرة» كبرى.

الخلل المكين في بروز صِدَام الحقّين، هو في أنّهما وليدا منحى مأزوم ومتفجر وليسا نتيجة تراكم طبيعي في البنى السياسية والفكرية والكيانية والاقتصادية والعلمية يسمح تلقائياً بنضوج ظروف النزعات الذاتية وتطورها الى طلب الانفصال عن الجماعات (والكيانات) الأوسع. أي إن شروط التقسيمات المخملية غير متوفرة في المدار العربي والاسلامي الراهن! عدا عن أنها عويصة حتى في أوروبا نفسها.. في بريطانيا وإسبانيا اليوم، وفي دول «المعسكر الاشتراكي» بالأمس!

لكن كلام البديهيات المفترضة هذا، لا يبرّر نقض الحق المبدئي الكردي، بقدر ما يضيف على الافتراض القائل بأنّ المسعى الاستقلالي الراهن، هو في زبدته محاولة لانتهاز فرصة وفّرتها إيران أولاً وأساساً! وحتى لو كان العراق، الدولة الواحدة، هو المتضرّر المباشر، مع تركيا وسوريا (لاحقاً) فإن جمهورية «الولي الفقيه» ستكون الأكثر تضرراً تبعاً لكون الاستفتاء رصاصة ارتدادية أطلقتها هي بنفسها!

وكان من الحتمي، أن تتدحرج إستراتيجية الاقتدار المعتمدة على العنصر المذهبي، المفضي حُكماً الى العبث بالاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي لدول الجوار، الى زوايا يصعب تدويرها. وكان من الحتمي توازياً، أن تؤدي قصة «تحالف الأقليات» الدينية، الى يقظة الحال القومية عند أكبر أقلية عِرقية في المنطقة! وكان من طبائع الأمور، أن يخرج الحلم الكردي الى الضوء في لحظة اكتمال العتم الذي أوجدته إيران في العراق وسوريا وأينما أمكنها ذلك!… ولو كنت كردياً لما وجدت فرصة ماسيّة أكثر كمالاً ونضوجاً، من الفرصة الراهنة!

اشتغلت إيران طويلاً على إذكاء التمايزات والمقسّمات في جوارها. وعلى المسّ بالكيانات الوطنية ودعم كل خروج داخلي عليها.. وتشاوفت بذلك وأعدّته «انتصارات» و«إنجازات» ثم تشاوفت أكثر باستثمار حرائق الجوار للعبث بالحدود السيادية للدول المستهدفة، نظرياً وعملياً، وراحت الى القول مرات ومرات، أنّ حدودها هي صارت في جنوب لبنان! لم تنتبه، أو أنها انتبهت وكابرت وأنكرت، الى حقيقة أنّ الأكراد على بابها! وفي داخلها! وإنهم «الكيان» الوحيد في المنطقة، الذي «يحقّ» له مبدئياً، ادّعاء تخطّيه الحدود السيادية لأربع دول، أولها إيران!