IMLebanon

في الانتخابات اللبنانية

 

في القرنين السابع عشر والثامن عشر بدأت مأسسة النظام الطائفي في لبنان. من فخر الدين المعني الكبير الذي من إنجازاته الاحتماء بالقناصل الأوروبيين إلى الأمير بشير الشهابي الذي كان لشدة عدله يبقر البطون ويثمل العيون، إلى نظام القائمقاميتين (واحدة درزية والأخرى مارونية) إلى نظام المتصرفية التي كان على رأسها مسيحي عثماني غير لبناني، ومجلسها يضم أعضاء من بقية الطوائف، إلى عهد الاستعمار الفرنسي وبدء التأثر المباشر بالديموقراطية الأوروبية ووضع أول دستور للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية على أساس مذهبي. أي منذ أكثر من ثلاثمئة سنة، بما تخللها من حروب أهلية ومجاعات متكررة، منذ تلك الدهور ولبنان غارق في صراعاته. ولكل طائفة امتداداتها في دول الإقليم تستعين بها، حرباً أو سلماً، لتعزيز موقعها ونفوذها والحصول على حصة أكبر في السلطة، بعد قهر الآخرين الذين ينتظرون أي فرصة مناسبة، أو انتصار داعميهم كي ينتقموا.

 

 

هذا في الماضي البعيد، أما في الماضي القريب، أي منذ عام 1975 فلم تبق دولة في المنطقة إلا ودعمت هذه الطائفة أو تلك، وكان لإسرائيل حصة الأسد في التدخل إلى جانب فريق من اللبنانيين وجد فيها المنقذ. وبعد أن فشل الرهان عليها اضطر هذا الفريق للعودة إلى «أحضان الوطن»، مكتشفاً أن إلغاء الآخرين غير ممكن فبدأ طرح شعارات عروبية لم تعد مفيدة في هذا الزمن.

 

يتوجه اللبنانيون غداً إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نوابهم، حاملين معهم كل هذا الإرث التاريخي، فخورين بالأميرين فخر الدين وبشير اللذين كانا أساس بناء وطنهم. ولكن مهلاً. ألم يتغير شيء طوال هذا الزمن المديد؟ الحقيقة أن ما تغير يبدو قليلاً جداً. السفراء حلوا مكان القناصل في العهود القديمة. أحفاد الإقطاع السياسي يتوارثون المناصب، مثلما يتوارثون الثروات. الذين لم يرثوا يطمحون إلى توريث أبنائهم. والأحزاب العلمانية تلتحق بالطائفية طمعاً بالوصول إلى السلطة، مع المحافظة على شعاراتها. والشباب الذين شكلوا «المجتمع المدني» مقابل المجتمع الأهلي لا حظوظ تذكر لهم فقانون الانتخابات (النسبي) الذي فصله زعماء الطوائف وأمراء الحرب على مقاسهم لا يتيح لهم ذلك.

 

والغريب في هذه الانتخابات أن واضعي هذا القانون الذي يراعي أن ينتخب أبناء كل مذهب ممثليه، يشنون هجوماً على الطائفية ويعتبرونها مدمرة وعلة العلل، ويبررون فعلتهم بالمحافظة على الاستقرار والأمن والتوازن. وهكذا تجد شيخاً معمماً يهاجم هذا القانون ويدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية شرط المحافظة على حقوق (إقرأ حصة) مذهبه، كما تجد كاهناً مسيحياً يكرز بالعلمانية شرط أن تبقى رئاسة الجمهورية للمسيحيين. وعندما يسأل أي زعيم لماذا لم يطبق اتفاق الطائف الذي ينص على إلغاء الطائفية السياسية في المناصب العليا يؤكد أنه كان يسعى إلى ذلك، لكن الآخرين اعترضوا. ولا يحدد من هم الآخرون.

 

قانون المتصرفية وتاريخها الذي يدرس في المدارس ما زال سارياً في لبنان منذ القرن الثامن عشر كأن الزمن تجمد في ذاك العصر، والجديد الوحيد تكرار الحروب الأهلية بأسلحة أكثر فتكاً. أما البرلمان فمجرد ندوة لتشريع تبادل المنافع وتقاسم الحصص.