Site icon IMLebanon

في «الشرعي» ونفيه..

لا جديد في موقف طهران إزاء «وجودها» في سوريا. ولا شيء يُفاجئ في قول الناطق باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي بالأمس «إن ذلك الوجود شرعي وجاء تلبية لطلب حكومة» دمشق.

التوضيح جاء رداً على الموقف الروسي الذي أبلغه الرئيس فلاديمير بوتين إلى رئيس سوريا السابق بشّار الأسد في منتجع سوتشي الأسبوع الماضي، ودعا فيه القوى الأجنبية إلى الخروج من سوريا، قاصداً بذلك، في أول القصد وحسب التأويل شبه الجماعي، الإيرانيين وميليشياتهم المذهبية التي أحضروها من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان..

والموقف الإيراني، «مبدئي» وسابق على مستجدات الموقف الروسي.. بل هو «دستوري» في حسابات طهران، قبل أن يكون «شرعياً» وآتياً من جهة حكومة الأسد.. بل أكثر من ذلك بقليل: حتى لو لم «يطلب» الأسد ذلك الدعم، فهو كان سيأتي في كل حال! والفرضية المستحيلة هذه فيها (على هامشها) ما يؤكد حقيقتها. وهذه خرجت أكثر من مرّة، من خلال تصريحات إيرانية عدّة تحدثت (للمفارقة!) عن أن الأسد «فكّر» و«حاول» أن «يترك» سوريا، لكن إيران «منعته» أو عملت على تعديل موقفه!

والبعد الشرعي في الموضوع، مطّاط في العُرف الإيراني: يسري إذا تلاءم مع سياسة الاستحواذ والنفوذ، ويُتجاهل إذا تعارض معها. بهذا المعنى، لم يأتِ دعم الحوثيين في اليمن من نصّ شرعي حكومي يمني بل من واقع انقلاب غدّار! ولم يأتِ في العراق غداة سقوط نظام صدام حسين، من أطر شرعية أمسك بها الاحتلال الأميركي واحتكرها، بل من تسلل منهجي ارتدى أثواب «المقاومة» بداية قبل أن يصل إلى «مقاومة الإرهاب»، وبعدها إلى قوننة تولاها نوري المالكي ترجمة لمصالحه ولواقع الحال ميدانياً وسياسياً.

ولم يستند بناء «حزب الله» في لبنان إلى نص شرعي بل إلى جملة معطيات فرضتها ظروف الحرب وانكسار الدولة والاجتياح الإسرائيلي.. وذلك البناء دلالة على نفوذ إيراني مباشر لا ينكره أصحابه على الجانبين. لا من جهة الجهر بالمدَد الآتي من طهران على لسان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ولا من جهة الجهر بالنفوذ في «العواصم الأربع» الذي وَرَدَ على ألسنة كبار جنرالات «الحرس الثوري» أكثر من مرّة وصولاً عند بعضهم إلى القول بأن «حدود» إيران صارت في جنوب لبنان!

وليست «الشرعية الدستورية» بكل شروطها وطقوسها ومتطلباتها هي جوهر القضية الكأداء المفتوحة مع إيران هذه الأيام مثلما كانت مفتوحة معها قبل هذه الأيام.. بل واقع آخر مُعاكس تماماً يتمثل بالتدخل السافر في شؤون الغير دولاً ومجتمعات وكيانات سياسية ووطنية، والعمل من خارج تلك الأطر ومن خارج الأعراف والمواثيق الحاكمة للعلاقات السوية والطبيعية بين دول هذا العالم.

وفوق ذلك كله، فإن المعضلة التي تواجهها طهران راهناً مُركّبة بطريقة مميّزة وربما غير متوقعة: الوجود «شرعي» في سوريا لأنه جاء تلبية لطلب حكومة الأسد.. لكن «الاحتمال» فعلي وممكن وقائم في أن يأتي طلب إنهاء ذلك الوجود من حكومة الأسد نفسها «تلبية» لطلب «رسمي» وعلني من الرئيس الروسي بوتين! وتنفيذاً لاتفاقات أو تفاهمات أو مُقايضات تمّت بالفعل مع الأميركيين أو مع الإسرائيليين!

ليس هيّناً ولا بسيطاً ولا قليلاً أن يصير «الوجود» الإيراني في سوريا واقع بين حدّين: غارات تدميرية إسرائيلية متواصلة من جهة.. ومطالبة «الحليف» الروسي والتابع الأسدي بالانسحاب من جهة أخرى!

وبين الحدّين ظلال موقف أميركي يضع «الوجود» الإيراني الخارجي كله وليس في سوريا وحدها، في مرمى الاستهداف المباشر! والقصة كبيرة!