Site icon IMLebanon

في «مربّع التحرير»… حكايات الصمود والنصر

    

 

«هنا يمكن أن نشاهد العصر الحجري»، عبارة كُتبت على لوحة عملاقة لخريطة الشريط الساحلي للكيان الصهيوني، خلف منصّة مهرجان «النصر والكرامة»، أمس، في مربّع التحرير (بنت جبيل) الذي «شهد، في في 24 تموز عام 2006، معركة عنيفة بين رجال المقاومة وجنود العدو، قُتل فيها جندي إسرائيلي وجُرح العشرات، ومعركة أخرى في 26 تموز قُتل فيها 9 جنود صهاينة وجُرح العشرات أيضاً، ما أدى إلى تراجع العدو باتجاه بلدة مارون الراس».

 

هناك، قبل 13 سنة، «حاول العدو التقدم بآلياته، فدمّر المقاومون ثلاث دبابات، وبعدها 12 دبابة أخرى، قرب تلة مسعود. الأمر الذي حرم العدوّ استخدام الميركافا، فاضطر إلى الاستعانة بكتيبة مشاة اكتُشِفَت قرب مهنية بنت جبيل». يؤكد أحد المقاومين في بنت جبيل أن عدد قتلى الجنود الإسرائيليين في معارك بنت جبيل، يزيد على خمسة وثلاثين جندياً، إضافة إلى تدمير أكثر من عشرين دبابة، في الوقت الذي استخدم فيه العدو لواءً كاملاً في محاولة فاشلة لدخول المدينة وكسر شعار «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد تحرير الجنوب في أيار من عام 2000.

أقيم احتفال أمس قرب المكان الذي استشهد فيه ثلاثة من قادة المقاومة في حرب تموز، من أبناء بنت جبيل، محمد أبو طعّام، كفاح شرارة، وخالد بزي الذي قاد عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في عيتا الشعب في الثاني عشر من تموز 2006، ثم قاد المقاومة في بنت جبيل ومحورها أثناء الحرب إلى حين استشهاده في التاسع والعشرين من تموز، بعد أن سعى، بعد التحرير، إلى تنشئة جيل من أبناء بنت جبيل ومنطقتها قادر على صد أي هجوم إسرائيلي. «كان ذلك البداية لنشأة أجيال، بعد الحرب، قادرة على إعادة الشريط الساحلي لكيان الاحتلال إلى العصر الحجري فيما لو قرر العدو شن حرب على لبنان».

في الجهة الغربية من مكان الاحتفال، تقع تلّة مسعود، التي حاول جنود العدو الوصول إليها في الحرب للتمكن من رفع العلم قرب ملعب شهداء بنت جبيل الذي ألقى منه السيد نصرالله خطاب «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». وعلى بعد أمتار من المكان نفسه، تقع مدرسة الشهيد راني بزي الفنية التي خرّجت من معارك بنت جبيل 13 من طلّابها شهداء، إضافة إلى أستاذهم المهندس الشهيد راني بزي. هناك يتذكر أبناء المنطقة جيداً عندما «ترجّل راني ومعه طلّابه، حملوا أسلحة خفيفة في وجه دبابات الميركافا، وعناصر الكوماندوس الإسرائيلي». ويتذكرون عندما أرسل طلّاب راني في (السنة الأولى – ميكانيك صناعي وكهرباء)، بعد الحرب، إلى أستاذهم رسالة بأفواههم «نطمئنك إلى أننا أكملنا تعليمنا. هل نسيت أننا تعلّمنا على يديك ودرسنا. لكننا نجحنا في غيابك. لن نقول لك كيف عدنا لمتابعة دروسنا مع بداية العام الدراسي المنتهي بعد عدوان تموز. عدنا إلى قرانا المرابطة على طول خط المواجهة، فيما لم تعد أنت ومعك 13 زميلاً لنا فضّلتهم علينا وأخذتهم معك وتركتنا هنا: أحمد وحسن ومحمد ويوسف ومروان ومحمد وحسين وأحمد ومحمد وكفاح وهشام وعمّار وزيد. قل لعمّار مبروك لأنه نجح في الامتحان الرسمي ونال الشهادة في الفندقية. وخبّر مروان أن أم نضال لا تزال مناضلة صلبة كما تركها». للمهندس الشهيد راني، طالب في مربع التحرير، اسمه يوسف محمد، من عيتا الشعب، واجه العدوّ أمام منزله، فسقط شهيداً، قبل أن تصل شهادة نجاحه في الامتحانات الرسمية إلى والدته، التي كانت قد طلبت منه أثناء الحرب أن يحمل السلاح ويقاتل، قائلة له: «ما إلك قعدة بالبيت». أما الطالب الشهيد زيد حيدر، فقد سجّل له رفاقه، قبل استشهاده، أعداد الجنود الصهاينة الذين قتلهم قرب مدرسته في معركة كرم الزيتون… لكل طالب من طلّاب مربع التحرير قصة بطولة وشهادة، كتبت بأقلام لا تجفّ على مجسّم شهداء مدرسة بنت جبيل الفنية. في مربع التحرير استشهد حسن كرنيب (مارون الرّاس)، الذي «كان ذاهباً إلى كلية العلوم حيث كان طالباً في في السنة الثانية – فيزياء، حيث قرر العودة والالتحاق بالمجاهدين. يذكر أن بلدة كرم الزيتون خسرت في حرب تموز 45 شهيداً، من بينهم 14 شهيداً مقاوماً، أحدهم الشهيد مروان سمحات الذي طلبت منه والدته أن يتفرغ لدراسته، فقال لها: «أريد شهادة جامعية والشهادة في آن واحد». استخدم مروان مع عدد من رفاقه المقاومين منزل ذويه القريب من منطقة المعارك للرصد العسكري، وقالت أم مروان: «تركت ابني هناك ليستشهد عند مدخل المنزل بعد أن تصدى للإسرائيليين». وعلى بعد أمتار يقع منزل الشهيد كاظم خنافر، الطالب الجامعي المتفوّق، الذي غادر منزله حاملاً بندقيته باتجاه كرم الزيتون ولم يعد إلا حاملاً شهادة النصر والمقاومة.

وفي بلدة عيناتا المجاورة شهداء صنعوا شهداء ومقاومين للمستقبل، منهم ستة شهداء من أسرة إبراهيم فضل الله علّقت صورهم على أحد جدران منزله. من بين تلك الصور صورة ابنه أحمد، الشهيد الأول في العائلة، الذي استشهد في 27 تموز عام 1999 أثناء قيامه بعمله الجهادي في موقع حداثا، والذي كان من أبطال عملية أنصارية الشهيرة. الصور الأخرى هي لشقيق أحمد، أمير الذي استشهد في 27 تموز أيضاً، لكن في عام 2006، أثناء تصديه للعدوان الإسرائيلي قرب عيناتا، ووالدتهما مريم وأختهما زهراء وزوجة أمير وابنها خضر، ابن الثلاث سنوات، الذين استشهدوا معاً (بعد ساعات قليلة من استشهاد أمير) في ملجأ في عيناتا عند وقوع المجزرة التي استشهد فيها 19 مواطناً من البلدة.