IMLebanon

في المجزرة.. والنكبة

تؤكد مجزرة دوما أشياء كثيرة.. منها، بطبيعة الحال، ان الميزان المكسور بين طرفي النكبة السورية لا يتصل بالسلاح فقط! وان بقايا السلطة الاسدية غير معنية بأي شيء أقل من مزدوجة الحياة او الموت، وانها لا تراهن او تعوّل، (أو تريد) أي كلام له علاقة بـ»الحل السياسي». وان ارتكاباتها وفظاعاتها تدلّ على تيقنها من انعدام أي أفق لخلاصها أو حتى لافتراض ذلك. وان تلك الارتكابات والفظاعات تحيل النكبة الفلسطينية الى نزهة صيفية شابتها بعض «المنغصات»، ليس إلا!

أخطر ما في سلوكيات تلك الجماعة السلطوية المسلحة هو انها تحاول إعادة تشكيل الوعي العربي والاسلامي الراهن باتجاهات معاكسة لما بُني عليه على مدى العقود السبعة الماضية. وتمضي قدماً في تقديم اوراق اعتماد استثنائية للخارج الاسرائيلي والاميركي.. أي كأنها تعمل «وتجهد» على تعويض فقدانها صلاحياتها وقدراتها على ممارسة أي من وظائفها الاقليمية السابقة، السياسية والميدانية، بواحدة فكرية وجدانية أعمق أثراً وأبعد مدى، وتذهب في ذلك الى حدود الاعجاز.

في مرتكب مجزرة دوما وقاحة اللجوج الذي يريد تأكيد «إبداعه» الوظيفي! وتدعيم ملفه بعيّنات وشواهد اضافية على أهليته: كل مجزرة يرتكبها في حق السوريين تقول للعرب والمسلمين، ان ما فعلته اسرائيل بالشعب الفلسطيني لا يليق به وصف «النكبة»! وان أحد الأسس النظرية للمشروع اللصوصي الاسرائيلي، الخاصة باستحالة «العيش» بين العرب والمسلمين، ليست تخريفاً، إنما هي وليدة وقائع ملموسة ويراها العالم كله.. رآها بالأمس في لبنان، ويراها اليوم اكثر فأكثر، في سوريا!

بهذا المعنى، يبدو التجاهل الدولي لمجزرة دوما، وقبلها في الاجمال، لكل الفظاعات التي ارتكبتها العصبة الاسدية في حق السوريين، متناسقاً مع الوظيفة الساعية الى إعادة تشكيل الوعي العربي والاسلامي باتجاهات ناسفة لكل الموروث الذي تراكم على مدى عقود النكبة الفلسطينية.. الاضاءة على تلك الفظاعات قد تلجم مرتكبيها، مثلما حصل، الى حدود معروفة، في قضية استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الدمشقية! وبالتالي فإن، الشروع راهناً، في الندب والعزف على اوتار «حقوق الانسان» والجرائم ضد الانسانية» قد يعني إنهاءً، قبل الأوان، لمقومات الوظيفة التي يجهد الأسد للحصول عليها!

.. ولكن، اذا كان التجاهل العربي العام (بالمناسبة!) وفي السياسة والاعلام، للمجازر اللاحقة بالسوريين، مدروساً ومحكوماً بجليد الحسابات الاستراتيجية الخاصة بعموم المنطقة وشعوبها ومكوناتها وموروثاتها وعاداتها، فماذا عن تجاهل أهل الممانعة، في الاعلام والسياسة ومكارم الاخلاق، لتلك الفظاعات؟! وهل من طريقة أخرى، غير الرد على السؤال بسؤال: مع من نعيش في ديارنا العزيزة هذه؟!!