تدور المطحنة السورية على مداها ولا تأخذ فسحة هدوء. تعدّل في هوية من تبلعهم وتفتّتهم لكنها لا تميّز كثيراً في هويّات ملقّميها ولا حساباتهم.. سارحة على هواها وستبقى كذلك طالما أنّ الشحنة المركزية التي تحرّكها والتي هي بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد، لا تزال في مكانها.
بعض حوادث جبهات الشمال، يدل على مسارات هذه النكبة في الإجمال. وعلى أنّها تأخذ شيئاً فشيئاً، وأكثر من أي وقت مضى إستقلالية ذاتيّة تامّة! لكنّها في الوقت ذاته تزداد تعقيداً بفعل العوامل الخارجية وتداخلها، من دون أن تخفّف من حدّة ذلك التعقيد، لا وعود القضاء على الإرهاب، ولا ارتضاء «المختلفين» على «التوافق» فوق هذه المساحة دون غيرها!
وأوّل الحكاية يدل على خاتمتها! ويستحيل في علم الفذلكات والتركيبات والحسابات افتراض نهاية إيجابية وجيّدة، لبداية سيّئة أو خاطئة. أي يستحيل (مرّة أخرى) الاستمرار في اختصار شؤون هذه النكبة بالمعطى الإرهابي! ويستحيل أكثر من ذلك، مقاربة هذا المعطى من دون المسّ ببعض مسبّباته. وبعض عوامل تشكيله أو جذبه الى النقطة الطافحة التي وصل إليها، وفي سوريا مثل العراق، وأكثر!
بل إن الأمر يزداد استحالة بقدر ما يزداد غرابة! وكأنّ تلك المساحة المنكوبة باقية خارج الخرائط السياسية «الموعودة»:
يطلق الأميركيون حملة في السياسة والإعلام وسائر صنوف التعبئة ضد إيران وتمدّداتها الإقليمية تحديداً لكنهم يمارسون ذلك الأداء في جملته، ضدّ تركيا! تُتّهم طهران بأنّها «الراعية الأولى للإرهاب في العالم» لكن «أدواتها» في العراق مباشرة، وفي سوريا عبر التحالفات الغريبة (مع قوات سوريا الديموقراطية مثلاً) لا تزال تدبّ على الأرض برعاية وحماية من السماء يشارك فيهما الأميركيون أكثر من الروس! يطرحون فكرة الملاذات أو المناطق الآمنة لإبقاء النازحين في الداخل السوري لكنّهم يستمرون في تقديم إشارات متتالية الى عدم اكتراثهم بالمكوّن العربي السوري، لا المقيم ولا النازح! وأبرز (وأخطر) دلالات ذلك، ليس فقط الغموض الذي لا يزال قائماً إزاء «رأيهم» بالأسد وإنما بإصرارهم على إعطاء المقاتلين الأكراد في «قسد» والذين تعتبرهم تركيا «إرهابيين»، الدور الأبرز في «تحرير» مناطق سيطرة «داعش»!
من مفارقات ذلك، أنّ هذا المكوّن الكردي الذي عانى الأمرّين من الحكم «البعثي» الأسدي على مدى العقود الخمسة الماضية، يمارس في كل منطقة عربية «يحررها» أبشع صنوف التمييز والعسف في حق أهلها.. العرب! في حين لا يخجل (وأي كلمة هذه؟!!) من التنسيق المفتوح مع السلطة الأسدية! ولا من اتخاذ خطوات ميدانية فجّة في عنصريتها! وإجرامية تماماً في طبيعتها!
صعب في الإجمال تبسيط تعقيدات هذه النكبة، لكن ليس صعباً الافتراض، بأنّ «نهاية» الحرب على الإرهاب لن تعني نهايتها، وأن الأميركيين لم يخرجوا بعد من موروثات وسياسات أوباما! وأنّ سوريا لا تزال، وأكثر من العراق، عنوان استهداف المكوّن الإسلامي والعربي الأكثري برغم كل الضجيج المعاكس.. وليتني أكون مخطئاً!