IMLebanon

في “أم العقوبات”

 

“يكتشف” الإيرانيون شيئاً فشيئاً “سيكتشفون” أكثر فأكثر في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، أنهم “وحدهم” (تقريباً!) في مواجهة العقوبات الأميركية الموصوفة بأنها الأقسى من نوعها في التاريخ الدولي الحديث.. وتداعياتها، وإن كانت بطيئة و”ناعمة” وطويلة النفس، قد تُوصل إيران إلى ما وصل إليه العراق نتيجة العقوبات الحصارية التي أطبقت عليه جرّاء جريمة صدّام حسين إزاء الكويت!

 

وتتمة الحكاية وخلاصتها، كانت معروفة ومرئية قبل مباشرة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش حربه التي سمّاها صدام “أم الحواسم” في ربيع العام 2003.

 

والمقارنة تجوز في عمومياتها وإن اختلفت التفاصيل: صدّام كان سريعاً وانفعالياً وعنيفاً ومهجوساً بالرؤى الرسالية والأدوار المقدّرة والعظيمة. لكنه في نتاجاته أوصل العراق إلى مرتبة الدولة المارقة، وأفقره ونكَبه.. من دون أن “ينسى” بطبيعة الحال اتهام القريب والبعيد بالمسؤولية عن الكوارث التي سبّبها بنفسه وبـ”إيمان” لا يتزعزع!

 

أكثر من عشر سنوات أمضاها العراقيون يتمرمرون ويئنّون ويتلوّن ويعانون من تبعات العقوبات التي سببها “زعيمهم المفدّى”، قبل أن يأتي القرار بقطف الثمرة التي أينعت! وبإسدال الستارة على نظام البعث الصدّامي بعد أن اهترأ من داخله وصار “جاهزاً” للاستهداف الأخير من خارجه!

 

والذي صار وحصل هو أن صدّام واجه ذلك الاحتضار البطيء “وحده” على المستوى الدولتي والرسمي.. تفرّج عليه الروس مثلما فعل الصينيون والأوروبيون والعرب والأتراك، ولم يتقدّم أحد إليه إلاّ من زاوية مستحيلة هي محاولة إقناعه بالنزول والرحيل وتجنيب العراق بلايا إضافية وغير مسبوقة وذات تداعيات بعيدة المدى واستراتيجية.. وتلك الحتمية لم تتعرّض لأي تهتّك أو تشكيك، بطبيعة الحال، جرّاء “التحركات النضالية” المساندة والمتعاطفة المؤيّدة على مستوى الشارع، لا في المدار العربي والإسلامي ولا في المدن الأوروبية، بل المفارقة أن هذه في جملتها ساهمت في زيادة منسوب القدرية والرسالية في ذهن صدّام وقرّبته خطوة إضافية.. من مصيره الأخير!

 

نظام إيران في المقابل اعتمد ويعتمد تكتيكات “مدروسة” أكثر! ومرسومة بهدوء على طريقة حياكة السجاد! لكنها في خلاصاتها مشابهة للمثال الصدّامي العراقي: أفقرت دولة غنية. وسبّبت كوارث للجوار القريب والبعيد. وارتكبت كل خطأ ممكن وغير ممكن تحت وقع “إيمانها” التام بأنها “مُحقّة” وتفعل الصحّ! وأن “كل” ما تعانيه وستعانيه مردّه الوحيد هو “تآمر” الجميع عليها، وليس نتيجة سياساتها المحسوبة “بدقّة” والمسنودة بنصوص دستورية وضعية وأخرى إلهية مُنزّلة!

 

ولن يطول الزمن قبل أن تؤكد طهران “اكتشافها” بدورها أنها “وحدها” في الميدان! وأن أحداً على المستوى الدولتي الرسمي لن يكلّف نفسه إشهار الاصطفاف إلى جانبها في وجه العقوبات الأميركية.. إلاّ وفق الشروط الأميركية. وإن هذه ستكون ثابتة ومستدامة بغضّ النظر عن “تطورات” الوضع الداخلي الأميركي، ونتائج الانتخابات النصفية بعد أيام قليلة.. أو مآلات العلاقة مع الروس أو الصينيين أو الهنود أو الأوروبيين!

 

الفارق الجوهري بين المثالين العراقي والإيراني هو أن إيران تواجه “أم العقوبات” عليها في ظل أفق مفتوح وليس مسدوداً.. أي أنها قادرة (حتى الآن!) على تعديل المسار بقرار ذاتي من خلال “تعديل” سياساتها والاستدارة للاصطفاف في خانة الدول “الطبيعية” في عالم اليوم، بدلاً من معاينة تداعيات مسار عقوباتي بطيء ومؤلم وأكيد!