IMLebanon

في السنة الجديدة: من أين لنا الخير إن لم نسرع في السعي إليه

 

عام جديد أطل في أحلك وأصعب وأسوأ الأيام.

وطن بأسره أوقعه ذووه في خضم المأساة، وفي قلب الهاوية التي لطالما حذر الكثيرون في الداخل وفي الخارج من الوقوع في ظلماتها ومظالمها التي طاولت وربما ستطاول أكثر، وطناً بأسره، ومواطنين داخلتهم الآلام المعيشية والمعاناة الحياتية في أقسى وأدق درجاتها.

عام جديد يطل، والحكومة… ما زالت حيث هي… في مرحلة العرقلة الكاملة والفرملة الحادة والناس ودّعوا السنة المنصرمة (ومنهم جريدة اللواء) بالقول بأنها أسوأ الأعوام وقد ودعوها باللعنات، دولة الرئيس المكلف كان في طليعة القائمين بواجب الحركة والمحاولة، مع سلسلة من المحاولات الجدية متآلفة ومتمادية لإتمام عملية التكليف، كانت تنتهي دائماً ومع التكرار المقصود، بمفاجأة سلبية خبيثة النشأة والإستهداف، متمادية مع حركات خارجية استهدفت وما تزال استقرار هذا الوطن وسلامة وحدته الوطنية وضرب أسسه الميثاقية، فعمدت إلى الإيغال في استعمال سلاح منع التأليف الحكومي من الحصول والتحقق لغايات في نفس يعقوب، وفي نفس دعاة قلب النظام إلى ما تشتهي وتريد وتخطط له بتؤدة وعناية فائقة وإصرار لا يلين ولا يتراجع.

أمام هذا الوضع الدقيق، أحسن الرئيس المكلف في انتهاجه مسلكين متكاملين، أولهما، التوقف عن تقديم التسهيلات التي سبق أن قدمت بحسن نية، ظنا بأن ذلك يسهم في منع النهج التسلطي من التضخم والتحكم وبالتالي، هو نهج سبق اعتماده أسهم في صون وحدة الوطن والمواطنين، وتدارك الخسائر الوطنية والميثاقية والتدهور الإقتصادي الذي يطاول البلاد والعباد نتيجة لما يقارب العامين ونصف عن منع الجمهورية من أن يكون لها رأس ورئيس، وثانياً التوقف عند آخر الحدود التي وصلت إليها مساعي التكليف متخذا قرارا حكيما بالتزام الصمت وبالتوقف عن مزيد من التعليق والجهود التي سريعا ما تستغل لمزيد من الضغوط التي يتم تحويلها إليه وإلى الجهات التي يمثل، وتدفيعه أثمانا مختلفة من خلال محاولات حثيثة لإلزامه بضم ممثل للنواب السنّة الستّة المنتمين إلى أحزاب شتى تتبع نهج الثامن من آذار وينتمي بعض أركانها إلى حزب الله وإلى مسيرة النظام السوري التي تحاول من جديد وبمساندة حثيثة من حزب الله، لأن تكون من ضمن المكون السني الأساسي والمتمثل في المرحلة الحالية، بتيار المستقبل، الرئيس الحريري متمسك بموقفه الحالي ضمن معطيات التحديات والاحتدامات الحالية، يؤازره في ذلك، مجمل المجتمع السني المتمثل بقياداته الأساسية وعلى رأسها سماحة المفتي دريان، وهذا الموقف تجلّى تأييدا مركزيا وثابتا وعلى أهبة الإستعداد لجميع المواقف كائنا ما كانت صعوباتها وقساوتها.

كما أحسن الرئيس الحريري في هذا الوقت الذي يمضي ثقيل الوطء والأثر، دون حكم ولا حكومة، بنشاطاته كرئيس يصرّف الأعمال، ومكلّف بتشكيل وزارة جديدة، متابعا شؤون البلاد وشجونها، خاصة منها الشق الإقتصادي حيث أن عينه ومساعيه وجهوده ما زالت متوجهة قدر ما تمكنه الأوضاع والظروف إلى مؤتمر سيدر والنتائج المتوقعة منه والتي يبدو وكأنها لا تعني بقية المسؤولين وكأنما المؤتمر ونتائجه لا تهمهم ولا شأن لها بانقاذ لبنان من المهاوي الإقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية التي ستواجهه وستواجه المواطنين اللبنانيين جميعا إلى أية فئة انتموا، وتغرقهم في أزمة حادة، عنوانها الرغيف ولقمة العيش وحاجات المواطن الأساسية في كل حقل وميدان، بما فيه الحقل الصحي الذي بات يستلزم عناية خاصة لما بات عليه لبنان من مساوىء في بيئته وأجوائه ومياهه الملوثة وأكوام الزبالة المتكدسة في مدنه وقراه وأزقته وشوارعه، وفي غياب الإمكانيات المادية لدى المواطنين لتأمين كلفة الطبابة والدواء والمستشفيات التي وصلت إلى حدود بالغة التفلت والظلم بحق الناس.

وها هو الرئيس الحريري في نهايات العام المنصرم يمارس بعض مسؤولياته على النطاق الأمني، خاصة من خلال تلك الزيارات التفقدية العديدة التي قام بها إلى قيادات القوى الامنية وبعض مواقعها الحساسة، وتلك هي الإيجابية الوحيدة المتبقية والواقفة على رجليها من هذه الدولة التي فقدت كل سلطاتها وفعالياتها والهيبة المفترضة التي تتشكل منها ومن ممارساتها الفعلية.

صحيح أن بعضاً من مظاهر العيد كانت قائمة متلألئة بأضوائها ومناسباتها الإستعراضية والغنائية وتجمعاتها الإحتفالية على نحو ما قامت به بلدية بيروت وبعض البلديات الأخرى بمبادرة وتشجيع من الرئيس الحريري، صحيح أن ألوفاً من الناس شاركوا في هذه الإحتفالات الجماعية التي روعيت فيها مجانيتها وانعدام تأثيرها على معظم الجيوب الفارغة والنفوس التي رأت في تلك المناسبات بعضا من أنفاس الحياة الطبيعية التي اعتاد اللبنانيون على ممارسة عيشها وفرحها الحقيقي وآمالها المفتوحة على مستقبل مستقر وهانىء ومشرق، صحيح كل ذلك، إلاّ أن الأصح منه أن اللبنانيين يعيشون على آمال وأحلام مصطنعة بقدر ما باتوا يعيشون في أتون اللا إستقرار النفسي الشديد، تخوفاً من مستقبل حافل بالتقلبات والمفاجآت ويزيد في مخاوفهم ما تمر به المنطقة، فضلا عمّا يمر به العالم من اضطرابات اجتماعية وحياتية وأمنية طاولت أوروبا وتكاد أن تطاول العالم بأسره، ولئن كانت الحروب العالمية العسكرية قد باتت بعيدة الإحتمال، فإن ما يسود معظم أنحاء العالم في هذه الايام، خاصة على مستوى الدول الكبرى، هي الحروب الإقتصادية الحادة على نحو ما بات واضحا من مجمل العلاقات الدولية خاصة بين الدول الكبرى التي يكتنفها التناطح الإقتصادي ولنا في ما يدور بين الولايات المتحدة وروسيا والصين والدول الأوروبية، أبرز دليل.

ونحن… ما زلنا غارقين في صغائرنا المتمثلة بالحقائب الوزارية والأطماع الزعاماتية والطموحات والممارسات غير المشروعة، «فهنيئاً» لنا بهذا الموت البطيء في حال استمرار أحوالنا على ما هلي عليه، واذ نقول للناس كل عام وأنتم بخير… فمن أين لنا «بالخير» ونحن نبعده عن أنفسنا بأيادينا وخاصة خاصة، بأيادي قياداتنا الغرّاء.