IMLebanon

في المزايدة المُمانِعَة..

 

علي نون

يمكن ارتكاب الوهم والزّعم والتقصير والتطويل في سياق محاججة أهل الممانعة في نواحينا. ويمكن الركون بهدوء وقنوط إلى ظواهر البلاء الفتنوي الضارب والسارح على مداه لتثبيت الحكم الذي يُحمِّل أهل المشروع الإيراني جلّ المسؤولية عن عصر «الاقتدار» و«الانتصار» الراهن.. ويمكن بعد ذلك الحضّ على شحذ الهِمم ودبّ الصوت وتدبير الحال دفاعاً عن النفس في مواجهة ذلك المشروع ومصائبه.. ويمكن أكثر من ذلك، الارتداد إلى الزوايا الغرائزية تماشياً مع «ضرورات» النزال وشروطه و«ساحاته»، ثم استمطار اللعنات على من أوصلنا إلى هذا الدرك..

 

لكن فوق ذلك بعموميّاته وتفاصيله، هناك شيء حسّي ملموس وفاقع اللون والشعاع، لا يمكن سوى عرضه بأوضح تبسيط ممكن، وبعيداً عن الأخذ والردّ والنقاش والكباش: إذا كان البيان الممانع يعتبر المجموع العربي والإسلامي الأكثري، قاصراً أو متنازلاً أو مُهادناً، أو مسالماً، أو مستسلماً، أو عاجزاً أو قانعاً وقابعاً، أو «متآمراً» أو لا يعرف «أصول الجهاد في سبيل البلاد»، أو يفضّل المقاولة على «المقاومة».. وإذا كان المجموع الممانع (الإيراني) في المقابل قادراً مناضلاً مقاتلاً مقاوماً يرفض الإذعان والخنوع والخضوع ويعرف «أصول الجهاد» في مواجهة الأعداء الصهاينة والأميركيين: ويعرف التفريق بين الصحّ والغلط والمهم والأهم ويرطن على مدى الأيام والساعات والثواني بفلسطين وأهلها وبقدسيّة قضيتها ومركزية تلك القضية وأولويتها وريادتها.. فلماذا لا يفتح النار على الإسرائيليين؟! ولماذا لا يُشعلها «حرباً مقدّسة» ضدّهم؟! ولماذا لا يهبّ بفيالقه وعسكره وصواريخه دفاعاً عن أهل غزة؟! ولماذا لا تُبادر طهران باعتبارها «عاصمة الممانعة» إلى قطع العلاقات مع الغربيين، وإعدام محاولات إعادة التواصل مع الأميركيين، ووقف ندب «الاتفاق النووي» معهم؟! ولماذا لا يُسأل الكرملين عن طبيعة «العلاقة الحميمة» بينه وبين قادة «الكيان الصهيوني الغاصب»؟! ولماذا في الأصل، لا يُبادر إلى تغليب الأساسي على الفرعي ويعمل من جهته «الصادقة والحريصة والريادية» على الأقل، على إقفال المعارك في صفوف المسلمين لأن «الأولوية» و«المركزية» هي لفلسطين وقضيتها ولقتال الصهاينة وداعميهم؟! بل لماذا لا يخجل ولا يستعيذ بالله إزاء شرور البلاء «الداخلي» المستفحل بل يفعل العكس؟ ولا يكاد يقفل صالة أفراح حتى يفتح واحدة أخرى احتفالاً «بانتصاراته» و«إنجازاته» و«بطولاته»؟! بل لماذا يستأسد أمام السوريين ويتأرنب أمام الإسرائيليين والأميركيين؟! بل لماذا انزوى وانطوى عندما دمّر طيران العدو في ساعتَين ما بناه على مدى سنوات في سوريا؟! ولماذا عدد ضحايا حروبه بين العرب والمسلمين يُعدّ بعشرات ومئات الآلاف، فيما لا يتضمّن إرثه الثوري، جزمة جندي صهيوني واحد جندله في الجولان أو الضفة وغزّة؟! ولماذا انخرط بزخمه وماله وحشده المذهبي وسلاحه وصواريخه ومستشاريه في حروب تدميرية عصيّة على الحصر من اليمن إلى سوريا مروراً بالخليج العربي والعراق، ولم ينخرط في المقابل في معركة واحدة مع «المحتلّين» والغاصبين الشياطين وأنسباء الشياطين؟! لماذا يكتفي إزاء «القضية المركزية المقدّسة» بالعَلْك والمزايدة والمتاجرة بالشعار (أقلّه منذ العام 2006) فيما لا يعوّف رصاصة ولا صاروخاً ولا برميلاً ولا غازاً سامّاً في معاركه اليمنيّة والسورية؟!

 

.. لماذا لا يقرّ بحقيقة أنه انتصر على إسرائيل في موقعة جغرافية واحدة هي تحرير جنوب لبنان، لكنه بمشروعه الفتنوي ومعاركه «الفرعية» في سبيل النفوذ الإيراني، مكّنها من «الانتصار الشامل»! وجعلها أقوى مما كانت عليه في كل تاريخها؟! وسهّل عليها التفرعن اللصوصي! وجعل جرائمها في حق الفلسطينيين أمراً هزلياً وهزيلاً مقارنة بفظاعات وجرائم ومجازر الفتن البينيّة العربية والإسلامية؟!

 

لماذا لا يرعوي ويكفّ مزايداته عن العرب والمسلمين، ويكتفي بأناشيده «الانتصارية» الواضحة جداً في كل مكان.. إلاّ فلسطين؟!