IMLebanon

في السلاح الفلسطيني..

 

ليست أخباراً مؤنسة (بطبيعة الحال) الاشتباكات الداخلية المتكررة في مخيم الميّة وميّة الفلسطيني قرب صيدا.. مثلما أنها لا تستحضر في الذاكرة المزدوجة اللبنانية والفلسطينية سوى صوَر الخراب العميم الذي أفضى في خلاصاته إلى تدمير لبنان من دون استعادة شبر من فلسطين!

 

وتلك الاشتباكات في ذاتها قبل تأويلاتها وتحليلاتها، تصيب اللبنانيين بضيم إضافي وغير مفهوم: إذا كانت معضلة سلاح “حزب الله” ممكنة التأويل إنطلاقاً من حقبة الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته.. ثم ترجمة لنفوذ الوصاية الأسدية بداية! ثم للواقع الذي استجد غداة اندحارها لاحقاً وَوَضع “حزب الله” في موضع الوريث الجزئي لها.. ثم تحوّل هذا السلاح إلى “قضية” أكبر من لبنان الجغرافيا والكيان والدولة والدور، وتأكّد “وزنه” في الاستراتيجية الإيرانية، وصارت “معالجته” شأناً متصلاً بتلك الاستراتيجية أولاً وثانياً.. وعاشراً!

 

.. وإذا كانت مرحلة السلاح الفلسطيني في الخارج انتهت باتفاق أوسلو شرعياً بعد انتهائها شارعياً! وقبله باتفاق الطائف لبنانياً، عملياً ودستورياً بعد إعلان انتهاء الحرب اللبنانية.. وإذا كان القرار 1701 أنتج معادلة “محترمة” من قبل المعنيين به. وهذه عنت وتعني ضوابط ميدانية وغير ميدانية كثيرة منها ما يمنع أي تفلّت سلاحي فلسطيني باتجاه الحدود الجنوبية وبصرامة وحزم واضحين.. وإذا كانت القوى والأسلاك العسكرية والأمنية الشرعية اللبنانية قادرة على حماية الأمن الوجودي للفلسطينيين كما للبنانيين (خارج سردية مقاومة حزب الله).. فماذا يفعل السلاح الفلسطيني في مخيمي عين الحلوة والميّة وميّة؟! وأي وظيفة له؟! وأي مبرّر؟! وأي دور؟!

 

وهذه الأسئلة كان يفترض أن تأتي الأجوبة عنها منذ مطالع تسعينيات القرن الماضي. أي بعد الشروع في تصفية الحرب وظواهرها. وبعد حلّ الميليشيات العسكرية اللبنانية. وبعد اكتمال الانكفاء الفلسطيني المسلّح إلى داخل المخيمات. لكن سلطة الوصاية الأسدية كان لها رأي آخر! وهي بطبيعتها الأولى لم تكن من النوع الذي يوزّع الهدايا مجاناً، بل أرادت لكل خطوة ثمناً! أو بالأحرى لكل ورقة تملكها مقابل موازٍ في سياق استراتيجيتها المألوفة إزاء النزاع مع إسرائيل والذي يعني من ضمن معانيه الكثيرة أن يبقى ذلك النزاع مفتوحاً (أو مربوطاً) في لبنان وليس في سوريا ولا في الجولان! .. والورقة الخاصة بالسلاح داخل المخيمات كانت جزءاً من ذلك السياق خصوصاً وأنها صارت أسدية بالكامل بعد أن أُخرج ياسر عرفات من دائرة التأثير الثقيل أو الخفيف فيها!

 

وعلى الهامش التفصيلي يُذكر بأنه في موازاة المفارقة التي ولّدتها حقيقة أن الميليشيات اللبنانية تُسلّم سلاحها فيما تبقى “الميليشيات الفلسطينية” في مخيّماتها مسلّحة، كانت للتكتيكات الأسدية الصلفة والمحسوبة والمبنيّة في استراتيجيتها على ضعضعة قصّة السيادة اللبنانية وتحطيم آمال الغاشين و”الأبرياء” بعودة الدولة من غربة الانكسار والتلاشي.. كان لتلك التكتيكات ظاهرة عجيبة غريبة لم يستطع أحد إعطاء تفسير منطقي واحد لها، وهي إبقاء قواعد متفرقة لـِ”القيادة العامة” التي يقودها أحمد جبريل، في أنفاق الناعمة جنوب بيروت وفي قوسايا البقاعية وربما في غيرهما!

 

.. الغريب راهناً، هو أن يستمر الوضع الداشر في مخيّمي منطقة صيدا على حاله! برغم أن هذه “الورقة” لم تعد ذي وزن! ولا يُحسب حسابها لا في موازين “المقاومة” ولا في تخريفة المفاوضات مع إسرائيل.. وأوّل وأشجع مَن أقرّ بذلك هو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي أعلن مراراً وتكراراً أن الفلسطينيين في لبنان تحت سلطة القانون وليسوا خارجه ولا فوقه وأنه يرضى بأي إجراء تتّخذه الشرعية اللبنانية.. لكن الواضح في المقابل، هو أن لـِ”حزب الله” وربما لغيره، حسابات أخرى لا تأخذ بدورها في الاعتبار أي معطيات من خارجها بما في ذلك معاناة أهل المخيمات قبل غيرهم، من وطأة هذا السلاح وتوظيفاته وبلاياه السوداء!

 

علي نون