Site icon IMLebanon

في محنة الكلام

 

بدا كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير والخطير، وكأنه خارج سياقه المحلي، حيث الافتراض السعيد أن الدنيا دنيا حوار، وأن ذلك يعني تخفيف التشنج وإيثار الخطاب التقريبي على ذلك التنفيري، حتى لو كان المضمون والمضمر والمخبّأ في الصدور، غير ذلك تماماً!

وفي المستور كما في المنشور، تعيد قيادة هذا الحزب تأكيد فرضية اتهامية لاحقة بها. وهي انها تحكي في السياسة بلغة العسكر. وتتصرف في الاجتماع المدني بأداء الثكنة الحربية. وتنطلق من ذاتياتها الإشكالية لتفترض انها عامة وجامعة. ثم تخاطب الغير باللغة التي تناسبها هي، وهذه آتية دائماً من نصّ أرفع مستوى من بني البشر! حتى لو اشتمل في سياقه على مصطلحات حداثية.

ولم يفعل الأمين العام سوى تأكيد تلك الغربة عن العموم في الشكل والمضمون. بحيث إنه لا يلحظ الآخرين مثلما يلحظ ويهتم بالبيئة الخاصة به.. يهمّه جمهوره والباقي فراطة. ويهمه مناخه الممانع والباقي زوائد لا يُعتدّ بها!

بهذا المعنى الخطير، يصبح الكلام رديفاً للأداء. والاثنان في كل حال، وصلا الى الذروة في الانغلاق على الذات وجعلها نقطة الارتكاز والانطلاق الوحيدة. أي (مثلاً) وبجملة بلاغية واحدة، مطلوب من الحزب أن يقولها، أو مقتنع ذاتياً بها، أو يرى أن وقتها «مناسب»، يضع لبنان كله في محل عدائي مع دولة مثل البحرين ومع كل محيطها الخليجي العربي العام الذي لم يضرّ هذا اللبنان ولا أهله، مرة واحدة ولو بشوكة ورد!

لا يهتم ولا يقف عند الأضرار اللاحقة بالغير من جراء سياسته الخاصة وارتباطاته الممانعة. وهذه ليست المرة الأولى، واغلب الظن أنها لن تكون الأخيرة.. ويفعل ذلك (بالمناسبة!) من دون التوقف ولو للحظة واحدة، أو رمشة عين أمام مفارقة فظيعة متأتية من كارثة انخراطه التام في القتال الدموي الى جانب بشار الأسد، باعتبار الثورة السورية شغل عصابات إرهابية تكفيرية، فيما القيادة البحرينية هي المسؤولة عن تسليم القدس لليهود.. وفي المكانين يتدخل تبعاً لحساباته فيما أضرار ذلك تلحق باللبنانيين في جملتهم!

.. لكن الجديد الطارئ والخطير، هو الذهاب في لعبة المواجهة مع إسرائيل (لعبة!؟) الى مستويات غير مسبوقة: يتنكّب مهمة، تهرب منها ايران وبقايا سلطة الأسد بوضوح سافر، مع أن الواضح في قصة «الرد في الوقت المناسب» على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت سوريا، ان المقصود هو المحتمل الآتي وليس الذي صار ومضى. أي أن نصرالله يفترض أنه، يردع سلفاً، أي محاولة جديدة لضرب ما قيل، إنها مواقع لإنتاج أسلحة غير تقليدية، لا تزال قائمة في سوريا؟! ويمكن أكثر من ذلك، افتراض أنه يصعّد خليجياً نيابة عن إيران المفجوعة بالانهيار الكارثي لأسعار النفط!

في كل الحالات، يحمّل الحزب اللبنانيين ما لا تحمله وتحتمله الجبال… لكن ذلك، غير مهم في حساباته وأعرافه وأدائه وسياساته. المهم أن «محور المقاومة» يتقدم في خضراء صارت يباساً، وفي مجتمعات صارت خراباً، وفي دول صارت مقابر جماعية لا أكثر!