IMLebanon

في محنة الجدل

 

في مدوّنة الجدل المفتوح مع أهل الممانعة إيجابية وسلبية. الأولى متأتية من سهولة كسر منطق أعوج غوغائي وبلفي وفيه من الادعاء ما يفيض عن ذلك الذي توعّد برمي الأعداء في البحر، وكانت النتيجة هزائم تلاطم بعضها بعضاً! والثانية متأتية من جرّ اللغة الى نواحي الاستنفار الدائم الذي يولّد بدوره إيثار العدم على الإنشاء وتغليب الفجاجة على الرحابة، وغير ذلك الكثير من مقوّمات تُنسي المحاجج أن هذه الدنيا ليست ساحة وغى.. فقط!

لكن حتى هذه بدورها صعبة. أي، افتراض عالم آخر غير القائم والمعاش. حيث لا تكتفي ثقافة الممانعة بالصراخ الذي لا يرتخي ولا يبور ولا يتخاذل ولا يتنازل ولا يتراجع ولا يتواضع، وإنما تُقرن القول بالفعل وتأخذ الجميع بجريرة مناخها وقراراتها وحساباتها وخياراتها. والنتيجة: عالم بأكمله يصير كأنه مصحّ أو ثكنة عسكرية (في غير موضعها!) ويوميات تصير كأنها مجرد فواصل زمنية بين معركة وأخرى.. وهي فواصل لا تخرج بدورها عن ذلك المناخ النزالي ولا تعطي أي مؤشرات توهم المتلقّين، في أي لحظة بأن أحوالهم طبيعية وعادية وتماثل أحوال نظرائهم البشر في طول هذه الدنيا وعرضها.

وذلك مناخ سابق لانفجار المحيط الجغرافي بثوراته.. قائم بقوة دفع المشروع المسلح والمؤدلج والقطعي والمتآخي في خلاصاته مع الدمار والعبث.. بحيث يصير التعطيل الرئاسي (مثلاً) مسألة ترفيهية أمام الانكسار العميم الذي أحاق بالبنيان اللبناني الثقافي والاجتماعي والطائفي والمذهبي والسياسي والعاداتي، والذي أفرز ظواهر فلتان يبدأ بالسلاح ولا يتوقف عند حد معلوم. لا في الفساد المستشري، ولا في التسمم الغذائي، ولا حتى في قصّة المعركة المسماة تمويهاً قيادة سيارة في أي شارع في لبنان!

كان ضجيج الصوت في ما مضى، أكبر من ضجيج السلاح في حروب سريعة.. كان متواصلاً فيما تلك كانت متقطعة. اليوم انتهى ذلك التمايز وما عادت هناك فواصل بين الشأنين، حيث الدنيا، في العُرف الممانع ليست بالفعل إلاّ مساحة واحدة للحرب وضجيجها!

في محاولة «تعطيل» جزء من ذلك المناخ، شجاعة وتهوّر. الأولى تعود الى ثقة بقدرة الحجّة وقوة السبك فيها. والثاني يعود الى تراث متراكم من التجارب الفاشلة التي كانت نتائجها تمكين ذلك المشروع من أسر لبنان بخياراته.. ومع ذلك يُقال، لا مناص من تكرار المحاولة!