IMLebanon

في الحاصل والممكن

 

معركة شاملة تُطلقها الجماعة الممانعة في نواحينا تحت عنوان تشكيل الحكومة.. وهي على عادتها عندما تخلع رداء التمويه «الوطني» الظرفي والعابر وتعود إلى أثوابها الدائمة حيث الخارج الإيراني والأسدي هو الوعاء والغطاء والأول والآخر، تطرح «قضاياها» كلها تقريباً دفعة واحدة.

 

و«تتذكّر» أنّ الفريق السيادي، بالجملة والمفرّق، لا يستحق شيئاً سوى أن يكون تابعاً مُنصاعاً، وإلاّ «تأكّد» الاتّهام بأنه جزء من «منظومة التآمر» الآيلة على نفسها عرقلة مساعي الزحف لتحرير القدس وتفطيسها في مهدها!

 

تتفاوت اللغة تبعاً لتفاوت العقول عند مذيعي مواقف تلك الجماعة.. لكنهم في جملتهم يقرأون في كتاب واحد! ويُطرّزون مصطلحاتهم تبعاً لمخزون «ثقافي» يتمّم في اللغة والتبليغ ما يفعله العنف الضاري والكاسر في عاديات الحياة والاجتماع والسياسة وبناء السلطات وتدعيمها!

 

وبعض أساطين تلك المنظومة، يجترّ السفاهة كلّما فتح فمه، لكنه يُحاضر من دون حياء، في معنى «الإهانة» ومتطلّبات «الأخلاق»! ويُعطي دروساً في «المسوؤلية» التي يتنكّبها صاحب الشأن العام، وكيفيّتها وشروطها ومتوجّباتها! ولا يرفّ له جفن، باعتبار أنّه مرجع يُعتدّ به في أصول ممارسة الوظيفة والالتزام بالقوانين والدساتير والأعراف! وحفظ الكرامات الوطنية العامة والذاتية الخاصة! واحترام إرادات الناس في سوريا كما في لبنان.. وفي لبنان عَودٌ على بدء! وفي التقديس العميق لمعطى الحرية بحذافيره التامّة! وللممارسة الديموقراطية بكل ضروبها وعناوينها وتفرّعاتها! وللأصول الدستورية والعُرفية الخاصة بتشكيل الحكومات والصلاحيات، والمنسلّة في خلاصاتها من جذر الديموغرافيا اللبنانية ودواعي العدل والاعتدال في الميزان، والضرورات الحاسمات لرعاية الميثاقية وحفظها في حرز مكين من شطط الرعاع وتوهّمات الغلبة والكسر والإخضاع!

 

واحدة من مشاكل هذا البعض، هي الجغرافيا: يتصرّف وكأنه في سوريا وليس في لبنان! وابن النظام الأسدي وليس نظام الجمهورية اللبنانية! يعشق الانقلابات ولا يفهم الانتخابات! ولا يستطيع أن يستوعب كل هذا الفائض وذلك الترف في السياسة والحكي والمجادلة والمحاججة والإعلام والفن والتنظير.. والحكم المدني الدستوري! وكيف يمكن أن تكون هذه كلها موجودة ومتاحة ومُباحة إلى هذا القدر وتأخذ أدوار الحزب القائد والرائد! والتركيبة الحزبية الفئوية المافيوزية المرصوصة رصّاً والمدرّعة بالسلاح والمال والسلطة المطلقة! وكيف لمجلس نواب مُنتخب مثلاً أن يأخذ دور الخليّة الأمنية المركزية! أو لرئيس حكومة أن يأخذ دور أحد الضبّاط الكبار في التركيبة الحاكمة؟!! أو أن يصدّق أنّه رئيس سلطة تنفيذية ويتصرّف وفق أحكام الدستور وليس وفق التوجيهات والأوامر الواصلة عبر الهاتف من عند «الرفيق القائد» أو من عند أحد قادة الأجهزة اللصيقة به!

 

.. في «معركة» تشكيل الحكومة تُستحضر فجأة المحكمة الدولية، و7 أيار، و«الضرورات المصيرية» لإعادة وصل ما انقطع مع بقايا النظام الأسدي! ومُغريات معبر البضائع وسيرة إعادة الإعمار! ويُعاد «تفسير» أحكام الدستور باعتبارها وجهات نظر وليست أحكاماً مُلزمة، مثلما تُستحضر أصوات وممارسات وكيديّات في غير موضعها وزمانها ومكانها!

 

وبرغم ذلك، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحده القادر اليوم، على لجم الانحدار وجبه الشّطط وإعادة الاعتبار والاحترام للتسوية الوطنية الرئاسية نصّاً وروحاً. والدفع لتخفيض السقوف العالية، وتبريد الرؤوس الحامية، وتجنيب اللبنانيين دورة عبث جديدة ومُجرَّبة.. ثم العودة إلى المسار الإعجازي الذي انطلق مع انتخابه، وأمكنه، في العموميات (برغم كل شيء آخر) أن يُعيد ترميم الهوية الوطنية الجامعة. وإشعار اللبنانيين بأنّهم قادرون على اجتراح «العيش» معاً! و«ارتكاب» الحكم من دون وصاية خارجية، وإيثار المصلحة الوطنية على ما عداها!