في آذار 2014، ومع بدء المهلة الدستورية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي المهلة التي تبدأ قبل ستين يوماً من إنتهاء الولاية، أي في 24 آذار 2014، بدأ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يدق ناقوس الخطر منطلقاً من مطلبين:
تحاشي التمديد، وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وغالباً ما كان يتحدّث عن رفض التمديد في حضور رئيس الجمهورية نفسه، إلى درجة أنّ الأخير أوفد له أحد الموفدين متمنياً عليه التوقف عن مطالبته بعدم التمديد لأنه لا يريد أن يمدد، أما في واقع الأمر فإن التمديد لم يكن مطروحاً.
***
في الموازاة كان البطريرك الراعي يُلح على أن إنتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية بحيث يصل البلد إلى 24 أيار وهناك رئيس جديد فلا ندخل في الفراغ وفي الشغور.
عُرضَت أمام البطريرك الكثير من الدراسات والإستطلاعات عن مرشحين وغير مرشحين وعن وزراء سابقين وتكنوقراط ومديرين عامين أو مَن هُم في رتبتهم، كان يُعلِّق بعد الإطِّلاع على الدراسة أو الإحصاء:
المهم أن تجري الإنتخابات، وأن لا يقع الفراغ ولو لدقيقة واحدة بحيث يتم تسليم وتسلُّم ويبدأ العهد الجديد بدمٍ جديد وروحٍ جديدة وحكومة جديدة.
***
كان البطريرك الراعي يقول هذا الكلام لأنه كان يستشعر، بحَدْسِه الوطني والسياسي بأن ثمة غيوماً دكناء تتجمَّع في السماء الرئاسية، أصاب حدسه وبدأت درب الجلجلة للفراغ والشغور.
لم يستسلم على الإطلاق:
طرق الأبواب الديبلوماسية ولا سيما في الفاتيكان وباريس، دعا إلى أكثر من اجتماع، فصالَح الأقطاب الموارنة الأربعة، أعلن أنَّ لا مرشح له بل جلّ همه أن تجري الإنتخابات.
اليوم أين يقف؟
***
الكاردينال الراعي يقف على مسافةٍ واحدة من جميع المرشحين، يستمع إلى الجميع ويناقش معهم طروحاتهم وحيثياتهم ومنطقهم الرئاسي، يُبدي إرتياحاً كبيرا لعودة الرئيس الشاب سعد الحريري ويعتقد بأن هذه العودة من شأنها المساهمة في تحريك الملف الرئاسي.
المجالس في بكركي بالأمانات، بعضها يُقال وبعضها الآخر تنتظر الوقت المناسب لتُقال، وبعضها يُحفَظ في خزنة الأسرار.
مما يُقال عن المجالس أنَّ الراعي يستمع إلى مَن يقول له أنَّ أحد المرشحين يحظى بثلثي الرأي العام المسيحي، فيما مرشح آخر قادر على توفير ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، لا يُعلِّق لأن أي تعليق من جانبه سيكون مُحرجاً للآخرين، فكيف يمكن التوفيق بين ثِقل الرأي العام والثِقل النيابي؟
يُناقش مع زواره ولا سيما الديبلوماسيين منهم كيف يمكن لبلادهم المساهمة في إزالة العراقيل وتفكيك الألغام من أمام إنتخابات الرئاسة، صحيح أنّه لا يلقى أجوبةً حاسمة لكنه مقتنع أن كلّ كلمة تُقال يمكن أن تُحدِث تأثيراً حتى ولو لم يكن آنياً.
***
البطريرك الراعي يمهل ولا يهمل، ويعتقد بأن الإستحقاق الرئاسي على رغم تأخره فإن مساره يسير في الإتجاه المناسب ولو المتأخر.
ليس من قبيل المصادفة ان الكاردينال الراعي، وفور وصول الرئيس الحريري إلى بكركي، بادره بالقول: حرَّكت البلد. وبعيدا من هذه الملاحظة الذكية فقد اعتبرت مصادر كنسية ان الخلوة بين الكاردينال الراعي والرئيس الحريري تميزت بوحدة تقييم الوضع الى ان الفراغ هو خرق فادح للدستور.
***
وبما يعنيه من ان الرئيس الحريري زعيم عابر للمناطق والطوائف، فليس مستغربا ان يكون نهاره موزعاً بين بكركي وطرابلس، يلتقي الكاردينال الراعي صباحاً ويصلي في أحد جوامع طرابلس ظهراً.
انه سعد الحريري.