Site icon IMLebanon

في الرئاسة و«المصير»..

 

التماهي بين العام والخاص في الشرق، أليف أُلفة الشمس مع أيامه والقمر مع لياليه.. عروة وثقى لم تفكّها أعاصير النكبات والويلات في ما مضى، ولم تؤثر في رباطها رياح الحداثة في ما هو راهن، وإن كانت هذه، ساهمت في حصرها داخل حدود جغرافية معينة.

الربيع العربي، كان مسرحاً لتبيان وتظهير الوجه الآخر، السريع والتاريخي في الوقت نفسه، لتلك «الأُلفة». بحيث ان الدمار هو عنوانها الوحيد. وهذا هو الناتج الحتمي (والعلمي) لذلك التماهي الذي أقامه الطغاة مع مصائر «أوطانهم» و»شعوبهم»، في ليبيا وسوريا.. وإلى حد ما في اليمن.

هكذا مثلاً، كان اللعب بمصير بشار الأسد هو لعب بمصير سوريا كلها، بأهلها وعمرانها على حد سواء! وكان اللعب بمصير القذافي، لعباً بمصير ليبيا، بأهلها وعمرانها على حد سواء! وكان اللعب بمصير علي عبدالله صالح، لعباً بمصير اليمن، بأهله وعمرانه على حدّ سواء!

الفرادة اللبنانية حجبت ذلك الترف! بحيث ان التنوع الطائفي والمذهبي منع تلك الحصرية الاحتكارية الظالمة، وأفسح المجال، أمام إبقاء مساحات تفصل بين مصائر الجماعات ومصائر رموزها. مثلما سمح قبلاً (وتلقائياً) بإنتاج نظام، كل ما فيه نسبي وخاضع للتأويل المزدوج، من مؤسساته الى دستوره! مثلما سمح أيضاً بعدم طغيان النَفَس السياسي المتغير والمتقلقل على الانتماء الديني الثابت والدائم، طغياناً كاسحاً!

لكن ما يتمظهر سريعاً في هذه الآونة الحساسة، هو محاولة أحد المسترئسين كسر تلك المعادلة المشتملة على حظ كبير واستبدالها بواحدة منحوسة حتى آخر حدود النحس.. حتى حدود التشبّه، بسِيرَ ومسارات الأسد في سوريا والقذافي في ليبيا وصالح في اليمن! بحيث إن برنامج الترشيح المبني على انتهازية سياسية فاضحة، وعلى استخدام منحطّ لشعارات كبيرة ونبيلة، لم يؤتِ أكُلَه وصولاً الى المبتغى. فدخل شعار «المصير» العام للجماعة المسيحية الى الصدارة واحتلها وأقام فيها، حتى صار المتلقي على تماس مع حائط، يُراد أن يقال أن لا منفذ فيه: إما أن يصل ذلك المسترئس العجيب اللجوج والجموح الى مراده، وإما أن المسيحيين، ليس في لبنان فقط، بل في الشرق عموماً، هم في خطر وجودي، تاريخي ومصيري!!

مدوّنة البلف هذه تستعير التماهي مع طغاة دمّروا الدنيا في طريق أفولهم. لكن لم ينتبه أصحابها المحليّون الى أن بضاعة «المصير» لا يشتريها أحد في لبنان، ليس لأن الأخطار غير موجودة، وإنما لأن لبنان ليس ليبيا ولا سوريا ولا اليمن، والحصرية فيه غير واردة بالمعنى السلطوي التام.. عدا عن أن المسيحية في الشرق هي صنو هذا الشرق، وفي لبنان رديف لوجوده، وفي التاريخ أقوى من نكباته، وفي الوجدان العام أمضى وأفعل من خزعبلات سياسية طارئة وآفلة.. واستمرارها هو ترجمة لأُلفتها مع المحيط المختلف ونبذها الشعور الأقلوي بمعناه السلبي، وليس لأخذها، (أو محاولة أخذها) الى برامج تدّعي قدرتها، على فصل «مصيرها» عن «مصير» العموم من حولها.