Site icon IMLebanon

في حسابات الربح والخسارة البلدية ديموقراطية محبطة مغلّفة بالتحكّم

بقطع النظر عن النتائج التي ستفرزها الانتخابات البلدية والاختيارية في دورتها الاولى في بيروت والبقاع أمس، فإن القراءة الاولى لمسار اليوم الطويل الاول من سلسلة تمتد حتى نهاية أيار الجاري، تؤشر لمشهد جديد يرتسم في الأفق السياسي، من شأنه أن يحكم هذا الأفق في المرحلة المقبلة، الحافلة باستحقاقات دستورية وقانونية مهمة، يتقدمها الاستحقاق الرئاسي الذي يدخل الشغور فيه سنته الثالثة بعد نحو أسبوعين، أو إقرار قانون انتخابي يبدأ النقاش فيه في اللجان النيابية المشتركة اليوم تمهيدا لإجراء انتخابات لم يعد ثمة ما يبرر عدم حصولها.

تبدأ غالبية القوى السياسية المنخرطة في العملية الانتخابية اعتبارا من اليوم جردة حسابات الربح والخسارة التي أفرزتها المحطة الأولى، والتي على أساسها ستتبلور صورة التحالفات ومدى تماسكها والتزامها في الدورات المقبلة، ولا سيما في طرابلس التي تنتظر الإفراج عن اللائحة التوافقية التي يفترض أن تجمع بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي.

في حسابات الربح، يبدو الرابح الاول الناخب اللبناني الذي عبر من خلال نسبة تصويت ضعيفة عن حال الإحباط والخيبة التي يمثلها المرشحون، إن على الضفة الحزبية أو على ضفة المجتمع المدني الذي فشل حتى الآن في تثبيت موقع له على الساحة السياسية، أو أن يشكل خوضه الشأن العام جرس إنذار يكفي لدفع السلطة السياسية والحزبية الى إعادة النظر في سياساتها ومقاربتها للتحديات القائمة.

والربح الثاني يحققه وزير الداخلية والبلديات وفريق وزارته والاجهزة الامنية من خلال نجاح هؤلاء في إجراء الانتخابات في مناطق صعبة وحساسة أمنيا وطائفيا. وهذا النجاح أسقط الذريعة الأمنية التي حالت دون إجراء الانتخابات النيابية، بقطع النظر عن الاختلاف بين الطابع الإنمائي للانتخابات البلدية والطابع السياسي للانتخابات النيابية. ذلك أن انتخابات يوم أمس اتسمت بطابع سياسي بامتياز، همّش الطابع الانمائي والعائلي والبلدي لهذه الانتخابات.

وقد نجح الرئيس سعد الحريري في استعادة زخم شارعه وجمهوره، ليجدد تكريس زعامته من خلال تمسكه وإصراره على إحياء إرث رفيق الحريري في الجانب السياسي منه المتعلق بحماية المناصفة في بيروت، كما في الجانب الانمائي الرامي إلى تنفيذ المشاريع للمدينة.

لكن ما ينتظر أن تحسمه الصناديق عند صدور النتائج يتعلق بمسألتين، أولاهما يرتبط بالتحالف المسيحي بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، والذي يفترض أن يظهر تماسكه في مدى تماسك اللوائح. والأمر عينه ينسحب على التحالف “القواتي”- “المستقبلي” بعد عودة الحرارة إلى العلاقة بين رئيس “القوات” سمير جعجع وزعيم التيار الأزرق سعد الحريري. وهذا الأمر سيتظهر بدوره من خلال مدى التزام الناخبين اللائحة “زي ما هيي”.

لا تشكك مراجع مستقبلية في التزام التيار الازرق اللائحة “زي ما هيي” والتحالفات القائمة، قبلها وفيها وبعدها. ولا تتوقع في المقابل أن تغير الانتخابات صورة التحالفات، مؤكدة أن الامور ستعود من بعدها إلى ما كانت عليه. فتدور في الحلقة المفرغة عينها التي كانت فيها قبلها.

هي إذاً فترة استراحة من الملفات الشائكة والاستحقاقات المعلقة. أفضل ما فيها أنها أتاحت فسحة للنظام السياسي ليتنفس ويخلق إمكانات حياة وممارسة لديموقراطية غابت عن الحياة السياسية لفترة وتلقت ضربات موجعة بعد التمديد الاخير للمجلس النيابي أو تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية.

ولعل أهم ما فيها أيضا أنها أسقطت شرعية التمديد النيابي ومنحت السلطة البلدية الجديدة المنبثقة من الارادة الشعبية، الشرعية الوحيدة المتبقية.

لكن كل هذا لا يعجل في إقرار قانون للانتخاب أو في انتخاب رئيس جديد، بل هو مجرد رحلة ترافق فيها الحلفاء والخصوم، لن تلبث أن تنتهي في نهاية أيار لتعود الامور مجددا إلى مربعها الاول.