IMLebanon

في تقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية: فراغ لا خروج منه إلا بطائف جديد

عندما يعلن العماد ميشال عون أنه لن ينزل الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية وليكفّ من يطالبونه بذلك عن تكراره، وهو يقصد الفاتيكان وبكركي والدول الصديقة والشقيقة وغالبية القيادات المسيحية والاسلامية، فمعنى ذلك انه يريد أن يختم أبواب القصر الجمهوري في بعبدا بالشمع الاحمر. وعندما يعود الى نقطة البداية ويطالب بانتخابات نيابية قبل الرئاسية بعدما سقطت بدعة اقتراحات “الاستفتاء” و”الاستطلاع”، فمعنى ذلك انه لن يعترف برئيس ينتخبه المجلس الحالي كونه ممدداً له وغير شرعي ولم يعد يمثل إرادة الشعب، ورغم ذلك فهو يطلب موافقته على نتائج الاستفتاء والاستطلاع وموافقته أيضاً على مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية، ولا يستقيل نوابه منه لتأكيد لا شرعيته كما فعل الرئيس حسين الحسيني.

لقد بات الناس في حيرة من تصرفات العماد عون العشوائية، بحيث لا يعرفون ماذا يريد. فهو يتحول بسرعة من ملتزم لاتفاق الطائف الى مؤيد للفيديرالية والقول إنه ليس ابن النظام بل هو ابن الدولة… فأي دولة هذه لا نظام لها؟

يقول سياسي متابع إن العماد عون فقد أعصابه منذ فقد الأمل في وصوله الى رئاسة الجمهورية وإيصال صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، في حين كان في الامكان إيصاله كونه مستحقاً لو أنه عرف كيف يوصل سواه رئيساً للجمهورية. وبما انه فقد الأمل في الرئاسة الأولى، فان مجلس النواب صار غير شرعي، والرئيس الذي ينتخبه هذا المجلس يكون بنظره غير شرعي، والحكومة على طريق أن تصبح حكومة تصريف أعمال أو تصرف من الخدمة… ورغم ذلك فان نواب العماد عون ينزلون الى مجلس النواب ليس لانتخاب رئيس للجمهورية إنما لحضور جلسات اللجان. ووزراء عون باقون في الحكومة الى أن تأتي إشارة بانسحابهم منها كما فعلوا مع حكومة الرئيس سعد الحريري، مخالفين بذلك اتفاقاً وافقوا عليه هو “اتفاق الدوحة” لأن الاتفاق مع سوريا في ذاك الوقت كان أهم من أي اتفاق.

لذلك قرر العماد عون أن يخوضها معركة حياة أو موت، وقد وصفها بــ”معركة مصير”… وما دام انه خسر “حقوقه المشروعة” بالرئاسة فانه صار مهتماً باستعادة حقوق المسيحيين التي لا تستعاد، بحسب رأيه، بانتخاب رئيس للجمهورية إنما بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية أولاً تتحقق فيه المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، وباستعادة الجنسية للمغتربين اللبنانيين، ظناً منه انه يعوض خسارة الرئاسة الأولى بجعل مرشحي “التيار الوطني الحر” يفوزون بأكبر كتلة نيابية في الانتخابات المقبلة على أساس هذا القانون الذي لا اتفاق عليه حتى الآن لا بين الزعماء المسيحيين ولا بين الزعماء المسلمين. ويخشى إذا ظل التوصل الى هذا الاتفاق متعذراً ان يصير التمديد مرة ثالثة لمجلس النواب وتستمر الحكومة الحالية مع استمرار الشغور الرئاسي، خصوصاً اذا ظلت الحروب مشتعلة في عدد من دول المنطقة.

الى ذلك، فان أخطر ما ذهب اليه العماد عون هو بعودته الى تقديم الانتخابات النيابية على الانتخابات الرئاسية، وبموقفه هذا يضع البلاد على طريق الفراغ الشامل والمجهول بحيث لا خروج منه إلا بتحقيق ما يعمل له “حزب الله” وهو عقد “مؤتمر تأسيسي” يعيد النظر في اتفاق الطائف وربما في صيغة لبنان، وقد لا يصير اتفاق على ذلك من دون قتال وفي وقت لا تكافؤ في القوى بين اللبنانيين ما دام السلاح موجوداً في يد فئة منهم، وبه تستطيع اذا شاءت ان تفرض الصيغة التي تريد للبنان. وقد يخسر المسيحيون في الصيغة الجديدة أكثر مما خسروه في الطائف… أي ليس جزءاً من صلاحيات رئاسة الجمهورية، إنما الرئاسة بذاتها اذا ما أخذ باقتراح جعلها مداورة بين الطوائف الثلاث الكبرى. وقد جاء النائب وليد جنبلاط على ذكر ذلك غير مرة، وكانت صحيفة ايرانية قريبة من الحكم في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد دعت الى ذلك. وقد يخسر المسيحيون أيضاً المناصفة التي حصلوا عليها في الطائف لتحل محلها “المثالثة” التي تكرس أقليتهم العددية، ما يضع المسيحيين المتشددين أمام خيارات صعبة أبرزها إما العودة الى الفيديرالية، وإما الى لبنان الصغير زمن المتصرفية، وهي صيغ تهمش مسيحيي المناطق النائية أو تهجرهم. ومع لبنان الصغير يعود الصراع على السلطة وحروب الإلغاء بين المسيحيين أنفسهم.