IMLebanon

في الاختزال الأسدي

 

كان صعباً ولا يزال، تحمّل «عاديّاتنا» اليومية الخاصة بالنكبة السورية من دون «ألطاف» ومخفّفات الروايات الأسدية والسبك اللغوي الذي تحتويه! والتي في خلاصاتها تُذكّر كل مَن عليها دائماً وأبداً، بأنّ هذه التركيبة التي تحكّمت بسوريا وأهلها على مدى خمسة عقود تقريباً ما كان جناها ليقل عن المشهد النكبوي المتراكم على مدى السنوات الست الماضيات.

 

بل ما كان لمجمل المشرق العربي، أن يصل إلى ما وصل إليه لولاها. وهي التي قلّصت سوريا بما فيها وعليها إلى حدودها هي الفئوية والحزبية والمذهبية. ثمّ قلّصت ذلك كلّه إلى حدود العائلة وحواشيها اللصيقة. ثمّ قلّصت المدار المحيط دولاً وشعوباً وهياكل كبرى وصغرى إلى حدود «القلب العروبي النابض» وجعلت من هذا أساس القياس.. وما ارتضت في كل حال، إلاّ أن تثبّت ذلك الربط المصائري عملياً وواقعياً وبالدم والعنف أولاً وأساساً!

 

فاض «جناها» على السوريين حتى تمكّنت منهم. وعلى الفلسطينيين بالقدر الذي وصلت إليه أيديها وأجهزتها وآليات الحفر التي أنزلتها في جسمهم برغم تمنّع صاحب شعار «القرار الوطني المستقل» ياسر عرفات ومقاومته.. وعلى اللبنانيين بالقدر الذي سمحت به التسويات والصفقات والترتيبات الإقليمية والدولية، ثمّ بالقدر الذي أتاحه الهريان المحلي اللبناني المتأتي عن ألف علّة وعلّة أولها وأمرّها تبخّر سلمهم واندحار دولتهم وتهتّك سيادتهم وشيوع الارتهان في بعض نخبهم، وصعود أبخرة الأوهام في رؤوس البعض الآخر.. وغير ذلك الكثير والأشدّ مرارة!

 

هذه التركيبة الاختزالية، لم يبزّها في التصميم والدأب مثيل راهن يُعتدّ به! وما فعلَته في سوريا وأهلها يسطع كدليل على ذلك أوضح وأدقّ من الأدلّة الفرعية التي تراكمت في المدار الممتد من بغداد إلى عمّان إلى منظمة التحرير إلى بيروت.. بحيث أن قانون الاختزال واحد، لكن «موادّه» التطبيقية تختلف باختلاف الهويات والكيانات! في سوريا كان التطبيق تامّاً ومُنجزاً. والمصير العام لا يعني شيئاً من دون المصير الخاص الفئوي الحزبي والعائلي. والترابط مُحكم إلى حدود الإعجاز الإفنائي والترميدي، ثمّ إلى حدود العبث المفضي إلى تهتّك لا سقف له: الوطن هو الطائفة. وهذه هي العائلة. وهذه هي «الرئيس» وأهل بيته. و«البعث» هو المرادف اللغوي الذي لا يعني شيئاً خارج تلك الثلاثيّة. و«الوحدة» تعني أيّ شيء إلاّ المسّ بالذات السلطويّة والنفوذيّة. و«العروبة» مثلها، تنفع كشعار وتضمر وتختفي عند أوّل تحدٍّ يُخالف الطموحات «السورية» بالنفوذ الإقليمي المسنود بمتلازمة «التوازن الاستراتيجي»!

 

وبما أنّ الحال الترابطي تمَّ واكتمل ودُمّرت سوريا وأهلها تبعاً لتدمّر السلطة ومراكز النفوذ والتحكّم والسيادة والقرار، فإنّ التناسل الاختزالي ذهب إلى الفتك (الفرعي) باللغة والعبث بمضامينها إلى حدود سوداء قاتمة وتامّة السواد والقتامة.. ومن ذلك، أن يصدر بيان آخر(!) من شيء يُسمّى «وزارة الخارجية السورية» يتوعّد الأميركيين وكلّ سوري يشتغل معهم! ويعتبر السعي إلى تشكيل قوّة عسكرية من ثلاثين ألف عنصر لـِ«حماية الحدود» اعتداءً صارخاً على «سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية.. والقانون الدولي»!

 

هذا الكلام «لا يمكن» إلاّ أن يصدر عن تلك التركيبة التي تَعتبر أنّ بقاءها حيث هي وإن على شاكلة التمثال الخشبي، هو ذروة الاختزالية: «سيادة» سوريا موجودة طالما هي باقية! أما الواقع المزري النكبوي فهو موجود وممكن في كل مكان آخر لا سلطة فيه لآل الأسد!