IMLebanon

في الخلاصات «النسبية»

 

مرّة أخرى: بعض القراءات لنتائج الانتخابات النيابية اللبنانية، وخصوصاً الخارجية منها، ذهبت وتذهب بعيداً وصولاً إلى «الخروج» عن النصّ. وتفضيل التأويل على التحليل. والاستطراد في الاستنتاج الغلط المبني أساساً على الغلط!

 

.. ومن الآخر: لم يكن «حزب الله» ينتظر الانتخابات ونتائجها كي يُقرّر ماذا سيفعل داخلياً وخارجياً! ولم ينتظر ذلك سابقاً عندما خسر دورتَي 2005 و2009، ولم ينتظر ذلك في دورة 2018! وهو في الأساس والتفرّعات نشأ وترعرع خارج الأطر الدستورية والنظامية والعُرفية في لبنان! وافترض ولا يزال يفترض أنّ حراكه العام مربوط بصاحب الولاية في طهران وليس في نصوص الكتاب اللبناني ولا في المؤسسات الشرعية المنبثقة منه وعنه! وأن الذي في رأسه ينفّذه أكان عنده نائب واحد في البرلمان أو 128 نائباً دفعة واحدة.. ومَنْ يتفاجأ بهذا السرد، يغشّ نفسه وغيره سواء بسواء! و«يستعبط» على جاري كلام أهل مِصر المحروسة والمنصورة!

 

وبناء عليه وإليه، يصحّ الزعم بأن مقاربة نتائج الانتخابات من زاوية حادّة تفرز منتصرين وخاسرين من دون فواصل وهوامش كبيرة وحقيقية، يرتكب إثماً مقصوداً! ويتجاهل التجارب السابقة، والحقائق الدائمة. وهذه هي أول المطاف ووسطه وآخره تفيد بأن النسبة في قانون الانتخابات، هي حقيقة تامة في قانون السياسة والاجتماع الأهلي والمصائر العامة لطوائف لبنان ومذاهبه وعائلاته. وهذه النسبية (بالمناسبة!) تسري سريان العيش وبديهياته في بلدنا الكريم!

 

الدولة في ذاتها نسبية وغير تامة! ولم تكن كذلك حتى في عزّ أيام سطوتها وقوتها وأحاديّتها فكيف الحال اليوم بعد نحو خمسة عقود من بدء تفكّك «الفكرة» وأطرها وقواها ومؤسساتها! والقضاء نسبي و«سلطته» وأحكامه ليست نتاجاً خالصاً لإرادة أهله الآتية حُكماً من قوانين الجمهورية! والمؤسسات العسكرية والأمنية نسبية بدورها تبعاً لواقع الحال الحزبي المسلّح الذي يمثّله «حزب الله» بالجملة، وبعض غيره بالمفرّق!.. حتى قراءة الدستور المنصوص، حمّالة أوجه، وليست موحّدة! عدا عن الأعراف الموازية التي تحيل حُكماً وحتماً مواد ذلك الدستور إلى خانة النسبية بكل حبور وسرور!

 

النسبية في قانون الانتخابات عارض طارئ لكنه أليف للمفارقة مع النسبية العامّة القائمة في الكيان ومظاهره السيادية والعادية والحياتية، حيث لا شيء (تقريباً لا شيء حرفياً) تام وشامل ومكتمل، من الخدمات البديهية مثل الكهرباء والماء والطرقات والمعابر الحدودية وصولاً إلى ما سلف على صعيد المؤسسات الدستورية الأولى والأكبر والأهم!

 

«حزب الله» فوق ذلك كله! قبل الانتخابات وبعدها، وقبل المؤسسات وبعدها، وقبل «الدولة» وفي ظلِّها (النسبي) شكّل ويُشكّل حالة نافرة واستثنائية لكنها بالتأكيد ليست مفاجئة! وهو برغم شططه التسليحي والتوجيهي والتعبوي وارتباطه بأجندة أكبر من الكيان وجغرافيّته وأهله، يبقى تأثيره العام في شؤون غيره، انطلاقاً من جزئية الانتخابات الأخيرة ونتائجها، نسبياً، حُكماً وحتماً!

 

السيرة طويلة، لكن الاختصار سِمة العصر! وفي هذا يصحّ القول العام بأنّ من يقرأ نتائج الانتخابات ويعتبرها زلزالاً ويذهب إلى تهبيط الحيطان و«النفخ في الكير» هو واحد من إثنين: إماً أنه لا يعرف لبنان وإن ادّعى تلك المعرفة! وإما أنه يعرف ويبلف ويعتمد الشطط كيداً ليس إلا!

 

.. وهناك صنف آخر (مقطوع الصلة) تمثّله أصوات إسرائيلية كانت تقول قبل الانتخابات، لمن يتذكر، إن أيّ حرب ضد «حزب الله» ستطال «كل» لبنان دولة وبنى تحتية وفوقية، وعادت بعد الانتخابات لتقول الكلام ذاته، لأن «حزب الله رَبَح وسيطر على لبنان».

 

«دولة» لبنان نسبية. صحيح! لكن دويلة «حزب الله» نسبية أكثر! وهو أول العارفين بذلك! لكن المفارقة، أنّ غيره ومن أبواب الخصام والعداوة له، لا يعرفون! أو يدّعون قلّة الفهم!

 

علي نون