إستثنائيٌّ وفريد النائب وليد جنبلاط حين يقرر أن يقوم بخطوةٍ تأتي خارج السياق التقليدي والمتوقَّع. فعلى سبيل المثال لا الحصر، مَن كان يتوقَّع الهدية التي قدَّمها جنبلاط للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند؟
بالتأكيد لم يكن أحدٌ يتوقَّع أن تكون الهدية عبارة عن غطاء مائدة مطرَّز يدوياً باسم والدته الراحلة مي، والتطريزُ اليدويُّ تمَّ في مشغلٍ أنشأته السيدة مي في جبل لبنان.
المغزى من هذه الهدية ربما أنَّ جنبلاط أراد التذكير بجبل لبنان وبالإزدهار الذي كان يعيشه، خصوصاً في القرن الماضي وكذلك القرن التاسع عشر، وفي القرنين كانت لفرنسا يد في لبنان وفي جبل لبنان تحديداً.
لم يكن التاريخ المعاصر وحده هو الحاضر بين هولاند وجنبلاط، بل إنَّ الحاضر أيضاً، فاللقاء أتى في توقيت إنتخابي يهمُّ الرجلين في آن واحد ولكن من زاويتين مختلفتين:
فهولاند كان في معمعة الإنتخابات المحلية التي تقدَّم فيها خصومه عليه، وجنبلاط يعيش هاجس الإنتخابات الفرعية في الشوف والتي من خلالها يريد أن يورِث نجله تيمور النيابة تمهيداً لتسليمه الحزب ثم عباءة الزعامة.
لكنَّ الهاجس الإنتخابيّ لم يكن الوحيد، بل يمكن القول إنَّه هامشيٌ قياساً ببراكين المنطقة وحرائقها، فالنائب جنبلاط لم يتوانَ عن القول من على درج الإليزيه:
إنَّها حربٌ طويلة بين العرب، إنَّه إنهيار الهلال الخصيب ودماره. ولا أرى أيَّ انفراج، أرى معاناةً رهيبة للشعوب العربية.
وفيما العالم كله منهمكٌ بهذه الحرائق، تبدو الملفات اللبنانية تتسكَّع على قارعة الإنتظار والنسيان، كأننا أصبحنا في جمهورية منسية لا تتذكَّر ملفاتها إلا في الملمّات:
من هذه الملفات ملف الموازنة العامة للعام 2015، فأين أصبح؟
الرئيس سلام عيَّن جلسة له حُدَّدَت في السادس عشر من الشهر المقبل، صحيح أنَّ وزير المال علي حسن خليل إلتزم المواعيد الدستورية لتقديم أرقام الموازنة، ولكن هل هذا يكفي ليُقال إن الموازنة وُضِعَت على النار؟
العالمون بشؤون مجلس الوزراء يستبعدون التوافق، خصوصاً في غياب التفاهم السياسي حولها، وحتى لو تمّ إقرارها في مجلس الوزراء فكيف ستسلك طريقها إلى مجلس النواب؟
وعليه، فطالما أنَّ الموازنة لم تنضج بعد فإنَّ كلَّ ما هو مرتبط بها، كسلسلة الرتب والرواتب، يبقى معلقاً إلى حين إنجاز هذا الإستحقاق المالي الكبير.
كلُّ هذه التأجيلات تختفي حين يكون هناك إستحقاق سفر:
فالرئيس سلام سيكون في عطلة نهاية الأسبوع في شرم الشيخ للمشاركة في أعمال القمة العربية التي تنعقد السبت والأحد المقبلين، ثم الإثنين سيكون في الكويت للمشاركة في الإجتماعات التي ستبحث أوضاع النازحين السوريين.
لو أنَّ هذه المشاركات تبقى من خلال السفراء المعتمدين لكان الوضع أخفَّ وطأة على الخزينة اللبنانية، خصوصاً أنَّ المواقف اللبنانية معروفة سواء ما سيُقال في شرم الشيخ أو ما سيُقال في الكويت، فلماذا تحميل الخزينة أعباء إضافية؟