في خطابه الأخير، قبل أيام، أعلن الأمين العام لـ»حزب الله» أن حزبه ذهب إلى مناطق جديدة في سوريا، أي ذهب للقتال في مناطق لم يكن وصل إليها قبل الآن، واضعاً ذلك في إطار تأكيد الموقف المساند لبشار الأسد واستمرار التمسك بسياسة الدفاع عنه..
وفي خطابه ذاك نفسه، أوضح نصرالله قصة المعركة في القلمون واضعاً إياها تحت سقف حماية لبنان والمناطق الحدودية من الجماعات السورية المعارضة الموجودة في محيطها… أي يقول بوضوح إنه «يحقّ» له الذهاب إلى سوريا والانخراط بكل ما أمكن في القتال ضد أهلها، في حين لا «يحق» للمُعتدى عليهم أن يردّوا عليه بأي شكل من الأشكال في لبنان!
وقصة «الحق» تلك، مدموغة بالحزن المقدس في الوجدان العربي العام منذ بدايات النكبة الفلسطينية قبل 67 عاماً، لكنها مع النكبة السورية، خالطها شيء استثنائي جعل منها أكثر مرارة وحنظلة، ألا وهو انكسار التشخيص الطبيعي لـ»العدو». بحيث إن هذا صار ممكناً بين أهل الدار والطائفة والملّة والقوم، ولم يعد الاختلاف في أي من هذه الأقانيم أو بعضها أو كلها شرطاً من شروط عداوته أو سبباً لها.. ومع ذلك، فإن النكبتين تؤكدان مقولة «علمية» مؤداها: أن كمشة من قوة تساوي أطناناً من الحق. وأن سلطنة صاحب الحق افتراضية فيما العالم الفعلي لا يقرّ بالريادة إلاّ لصاحب الحديد والنار مهما «تواضع» سقفه وحجمه!
في موازاة هذا الخلل، هناك شيء آخر لا يقل بؤساً ونحساً، هو غياب العدل باعتباره القياس الأول لديمومة العيش، ما أدى ويؤدي إلى شيوع «ثقافة» الغابة وأخذها في طريقها كل عمران وحياة.. وهذا المنطق الاختلالي المزدوج هو الذي اجاز ويجيز لـ»حزب الله» أن ينخرط بكل تلابيبه العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية في جريمة الفتك بشعب سوريا، بأمه وأبيه وأولاده وبنيانه وعمرانه وأرضه ودولته ومؤسساته وتطلعاته وآماله، ثم يخرج من دون أي حرج ليقارن بين ذلك كله وبين مجموعات مسلحة شنّت اعتداءات متفرقة في الداخل اللبناني!
شدّة التناقض والتنافر في هذه الحالة تجعل من منطق «حزب الله» شبيهاً بالتوليفة الطبية التامة للانتحار: ماذا يمنع إسرائيل في «اللحظة المناسبة» من إعادة العمل بالمنتج الذي استعاره الحزب منها؟ أي أن تشن حرباً عليه وعلى أهله وناسه ولبنان عموماً تحت شعار «حماية» مستوطناتها من مخاطر مسلحيه الكامنين عند الحدود، تماماً مثلما يدّعي هو في القلمون؟ وماذا يمنع أي جماعة سورية (نقية أو مشبوهة وملتبسة، لا فرق!) من اعتماد مقاييسه، أي أن «تأتي» هذه إلى بيروت، مثلما «ذهب» هو إلى دمشق، وإلى طرابلس مثلما «ذهب» إلى حلب، وإلى صور مثلما «ذهب» إلى درعا.. إلخ؟
ما لا يلحظه هذا الحزب (أو يلحظه لا أعرف!) هو أنه يبني بيديه، وبهمّة فظيعة كل مقومات نكبته الخاصة، وعلى كل المستويات السياسية والتعبوية والعسكرية والأخلاقية، مغتراً وغاشياً ومأسوراً باللحظة الراهنة.. باليوم الراهن من دون حساب الغد الآتي، إلاّ إذا كان هذا الغد عنده «مهدوي» أكيد؟!