يتلقّف الجمر بين يديه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصّة تمثيل سنّة “حزب الله” في الحكومة المرتقبة. ويؤكد بموقفه أموراً كثيرة أهمها أنّه مؤتمن على الجمهورية ومصالحها العليا ويعرف الحدّ الذي تقف عنده المناورات التفاوضية قبل أن تصير وبالاً لا يوفّر أحداً.
وأهميّة موقفه الواضح والشفّاف تكمن تماماً في أنه هو من يتخذه مباشرة وعلناً، قاطعاً بذلك دابر تأويلات واستطرادات وتخبيصات كان يمكن أن يعتمدها المرتكب لرمي مسؤولية التعطيل على غيره! أو للاستمرار في إدّعاء البراءة من شهوة تسلّطه.. أو من كثرة استسهاله شطط إيثار مصلحة إيران وحساباتها على مصلحة لبنان وأهله بغضّ النظر عن الأثمان والتداعيات الكبيرة والخطيرة.
في الشأن المباشر للقضية المطروحة قال رئيس الجمهورية لـِ”حزب الله” إن موقفه خطأ وغلط وغير مُبرّر ولا منطقي. لكن الأهم من ذلك ربما، هو أنه في الشأن الميثاقي العام يطفئ فتيل أزمة فتنوية واضحة! ويدلق ماءً بارداً على رؤوس حامية يعتبر حاملوها أنهم وحدهم في لبنان! وأن ما يقرّروه ويرتأوه يجب أن يمشي! وأن من “حقّهم” و”واجبهم” المسّ ببديهيات الآخرين وشؤونهم وكأن الدنيا بألف خير! أو كأن الأمر الراهن مقطوع عن سياق منهجي فحواه الاختراق والتفتيت ميدانياً من خلال ما يُسمى “سرايا المقاومة” وسياسياً من خلال “تصنيع” أو “تظهير” هوامش وملحقين للفتك بالبنى الأساسية التي اختارها هؤلاء الآخرون.
الرئيس عون يَصدق “حزب الله” ولا يكذب عليه! ويجرّه من يده (وغصباً عنه!) بعيداً عن خطيئة كبرى في وقت لم يعد أحد ولا بلد قادر على تحمّل الاستنزاف المعتاد! أو “تمويل” الحسابات الايديولوجية الخاصة والسياسات الخاصة والارتباطات الخاصة! أو المناورات ذات البعد الخارجي وإن تلفّحت عباءات محلية.. ولم يعد هناك في الخارج الاقليمي أو الدولي، الأميركي والأوروبي من هو مستعد لمجاراة الابتزاز الإيراني من خلال لبنان! أو دفع فدية مقابل “الرهينة” اللبنانية التي يخطفها “حزب الله” لحساب طهران من خلال تعطيل مسار التشكيل الحكومي.
.. ثمّ يحمي التسوية الرئاسية العماد عون بموقفه. ويقول لـِ”حزب الله” الذي هو افتراضاً، جزء من هذه التسوية، إن مخاطر انكسارها جدّية تماماً، والرئيس سعد الحريري لا يناور ولا يبلف في موقفه الحاسم إزاء الابتزاز الفظّ الذي يتعرض له.. وهو في ذلك قال علناً وعلى المكشوف: “فليفتشوا عن غيري”! وبيانه هذا ليس شأناً شخصياً أو حزبياً إنما شأن عام عبّرت عنه مواقف واضحة تماماً من مجلس المفتين ودار الفتوى وقبلهما من اجتماعات رؤساء الوزراء السابقين في “بيت الوسط” والتي جاءت في جملتها من ضمن السياق الطوائفي والمذهبي القائم راهناً وليس من خارجه.. وطالما أن السفور واضح إلى هذا الحدّ في سياسات “حزب الله” وارتباطاته وإن شمّعها وغلّفها بشعارات عامّة وجامعة مُفترضة!
أحسن القول والتبليغ والإرشاد، رئيس الجمهورية العماد عون.. وفتح باباً يمكن “حزب الله” أن يدلف عبره للنفاذ من ورطة خروجه على “الإجماع الوطني”.
وبطريقة لا تخدّش صورته “كمنتصر دائم”!!