Site icon IMLebanon

في «الردّ» الروسي!

 

كانت حتميّة وتامّة مواقف موسكو التي انفجرت بالأمس على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، ردّاً على واقعة 7 شباط التي شهدت قتل وجرح نحو 300 روسي في محيط دير الزور..

 

وشكّلت مواقف الوزير «النرفوز»، عودة ارتدادية إلى المألوف في أداء بلاده في سوريا وغيرها، والذي حاولت عبر مؤتمرَي سوتشي والآستانة، صبغهِ بألوان وسطية، ومحاولة لعب دور رعوي أبوي عام مؤداه الأخير، أنّ موسكو جمعية خيرية! وفعلت ما فعلَته بالسوريين الذين ثاروا على نظام آل الأسد، «من أجلهم فقط»! وحرصاً عليهم، وعلى سلاماتهم وأرزاقهم وأرواحهم، برغم أنّهم، في جملتهم «إرهابيّون» واضحون وأصيلون بغضّ النظر عن مدنيّتهم أو عسكريّتهم! أو عن مكان سكناهم، أكان في الخنادق، أم في بيوتهم المتراكمة فوق حطام أحيائهم ومدنهم وقراهم وجنى أعمارهم!

 

ولم ينسَ أحد بعد، أنّ فلاديمير بوتين، ووزيره لافروف من بعده، اعتبرا مع إطلاق «عاصفة السوخوي» في أواخر العام 2015 أنّ كل مَن يعارض السلطة الأسدية هو إرهابي.. وإن ذلك التقييم استُخدم بكثافة تامّة لتحديد إحداثيات القصف الجوي (والفضائي!) الروسي بما سهّل المهمة ويسّر سبل «التدريبات والتجارب» على الطيارين والقاذفين، وبما جنّب تسجيل أي غلط أو شطط: شرق حلب مثلاً هو الهدف بقضّه وقضيضه! وهذا مربّع عمراني بشري، لم يكن فيه «داعشي» واحد! لكن ذلك لم يمنع تدميره بالطول والعرض ولا تهجير مَن بقي حياً فيه! ولا الفتك بأهله فتك الجوارح والكواسر.

 

هذه «الأمثولة» يرى لافروف على ما قال بالأمس، إمكانية لتكرارها في الغوطة الشرقية.. وهذه على كل حال، مربّع آخر يحوي بين حطامه قرابة الـ400 ألف إنسان! يخضعون منذ سنوات لحصار يشبه حصار النازي لستالينغراد! ويتعرّضون لقصف صاروخي وجوّي يشبه ذلك الذي تعرّضت له غروزني عاصمة الشيشان! سوى أنّ من بين هؤلاء، بعض أكثر المقاتلين الأحرار بأساً وصلابة. وإلى حدّ ردّهم المرّة تلوَ المرّة، كل محاولة لكسرهم واختراق منطقتهم من قِبَل «القوات النخبوية» الأسدية في «الحرس الجمهوري» و«الفرقة الرابعة» ومدرّعاتها ودبّاباتها وطيرانها وصواريخها وروسيّيها وإيرانيّيها.. الخ!

 

وهذه الغوطة (بالمناسبة) هي واحدة من المناطق الأربع التي ثم التوافق في الآستانة على اعتبارها آمنة، أو منخفضة التوتر.. لكن لافروف تناسى ذلك في نوبته الهستيرية الجديدة، وذهب أبعد منها، وصولاً إلى إدلب التي هي أيضاً واحدة من تلك المناطق الافتراضية!

 

غير أنّ الوزير «النرفوز» لاحظ شيئاً آخر في إدلب، لم يسبقه إليه أحد: اعتبر أنّ الأمم المتحدة، (كلها!!) تحاول «مساعدة إرهابيي النصرة» بدعوتها إلى «وقف تقّدم» الجيش الأسدي في أدلب! ورأى في ما رأى، أنّ على «الزملاء الغربيين الذين لديهم نفوذ على النصرة، ضبط هذا الهيكل الإرهابي» (حرفياً!) ثم استطرد في الرؤى حتى بلغ حَجَر الرُحى، فاتّهم الأميركيين بـ«اللعب بالنار» والسعي إلى تقسيم سوريا! وليس أدلّ على ذلك من وجودهم في شرق الفرات وعند الحدود العراقية – السورية!

 

.. أي إن الرفيق لافروف عاد إلى النقطة صفر: كل بيئة المعارضة في مرمى النار! لا مناطق تهدئة ولا بطّيخ! ولا سعي إلى «السلام» في سوتشي ولا في الآستانة! وشرق حلب هو المقياس! ولا معارضة يمكن الحكي معها ولا مَن يخرّصون! وتلك وبعد مؤتمر سوتشي الأخير والفاشل، وفي زيارة وفد منها إلى موسكو «سمعت» الكثير من التهديدات الكبيرة! قبل أن يؤكدها لافروف علناً، وقبل أن يستأنف «لنخبويّون» الأسديّون والإيرانيّون بغطاء جوّي روسي، إحراق الغوطة بكل سلاح متوفر، تمهيداً لتكرار محاولة إسقاطها!

 

وتلك النوبة الهستيرية تؤكد في كل حال، أنّ موسكو تأخذ واقعة 7 شباط مثلما هي عليه فعلياً، من دون بلف ولا تزوير ولا تزويق.. أي باعتبارها لطمة أميركية غير مسبوقة للروس! وضربة محسوبة ومقصودة ومباشرة لهم ولمناوراتهم وتذاكيهم! لكنّهم (أي الروس!) يستعيرون في «تصدّيهم» للأميركيين، أداء السلطة الأسدية وداعميها الإيرانيين في «التصدّي» لإسرائيل: تقصفهم هذه ساعة تشاء وكيفما تشاء فيردّون عليها، بتسعير استهداف مناطق المعارضة السورية! وهذا تحديداً ما يفعله لافروف بعد مقتلة دير الزور: لا يقدر على الأميركيين فيستعيض عن ذلك باستعراض توحّشه على السوريين! وإعلانه التملّص من الاتفاقات والعهود والوعود والتفاهمات والتفنيصات الجليلات! ثم استبدال غروزني بسوتشي.. والآتي أعظم!