ليس غريباً في واقع الحال، ان تقول موسكو مرّة جديدة، إنها لا تدعم بشار الأسد لكنها لا توافق على إسقاطه بفعل تدخلات خارجية! فهذه سياسة لا تُناقش بالسياسة! ولا يطرحها أصحابها أصلاً كموضوع قابل للنقاش! تماماً مثل الدعاية التي يعتمدها بعض الجيوش في حروبها، والتي لا تتوقف قليلاً او كثيراً، عند «رأي» الآخرين في بياناتها، بل تطرح ما لديها.. ونقطة على السطر!
وذلك القول يدل على مدى الدأب في الدعاية السياسية والحربية الروسية الراهنة.. المنحولة والمنقولة في زبدتها من العصر «السوفييتي» الآفل. والتي لا يمكن كثيراً، الاعتداد بصدقيتها او باحترامها للحقيقة خصوصاً اذا كانت هذه تخدم الاعداء «الطبقيين« بالأمس، والأعداء «القوميين« اليوم، الراغبين بشدة وبأس، في إبقاء روسيا دون مستواها العظيم، ومنعها من الصعود لتتبوأ المكان الذي يليق بعظمتها!
بهذا المعنى، يصير الكلام عن بشار الاسد جزءاً من العبث المصفى! وترجمة لتركيبات لغوية وتعبوية لكنها تعكس بأمانة تامة منحىً سياسياً أعوجَ في أصله وفصله. وينطلق من رؤية مشتركة مع الأسد تعتبر كل معارض إرهابياً لا يستحق سوى الحرق بغارات «السوخوي»! وتعتبر بعد ذلك، ان «الحق» بالتدخل للروس والايرانيين والميليشيات المذهبية المتقاطرة من قريب وبعيد، لا يُجَادَل، طالما انه جاء تلبية «لطلب شرعي» من «رئيس» اسمه الأسد!
لكن برغم ذلك كله، فان الكلام الروسي (الجديد) الذي تلا سقوط محاولات جنيف الأخيرة لإطلاق العملية السياسية، يبدو مختلفاً عن السياق المألوف الذي عبر عنه دائماً وزير الخارجية سيرغي لافروف، ثم لاحقاً وبتقطع، فلاديمير بوتين شخصياً، والذي كان صاخباً وشديد العدائية وبعيداً عن أي نَفَس تسووي في شأن الاسد ومصيره.. وآخر وأحدث ظواهر ذلك الاختلاف، هو حديث الهدنة الجزئية والموقتة الراهنة وما رافقها من أخذ ورد وصل الى حدّ توجيه توبيخ علني فظ وقاس للأسد، لأنه حكى عن «حل عسكري»! واستطرد على طريقته الانتهازية الرخيصة مفترضاً انه لا يزال بالفعل «رئيساً» لسوريا ويستطيع ان يقرر هو وليس بوتين، كيفيات ومَدَيات العمليات العسكرية الروسية!
وذلك، إن صحّ الافتراض وحَسُنَ الظن، يعكس تغييراً في المقاربة الروسية تتصل بالمضمون كما بالشكل. وتعيد الاعتبار في المحصلة، لـ»النظرية الأولى» التي قالت وتقول ان اول من سيدفع ثمن التدخل العسكري الروسي، بعد أهل سوريا، لن يكون سوى من استدعى ذلك التدخل، من إيران الى الأسد وبطانته الموبوءة بكل مراتبها!