IMLebanon

في تخشيب المعادلة!

 

تقول الواقعة الواقِعَة في جرود رأس بعلبك والقاع، أنّ اللبنانيين منقسمون على «حزب الله» لكنهم موحّدون على الجيش. ومنقسمون على الموقف من رئيس سوريا السابق بشار الأسد وبقايا سلطته لكنّهم موحّدون على شعار «السيادة» اللبنانية وضرورات صيانتها وحفظها باعتبارها تأطيراً لدولة قائمة فيها رؤساء شرعيّون تماماً. وفيها حكومة عاملة ناشطة. وفيها قوى عسكرية وأمنية ترعى استقرارها وتحفظ حدودها!

بل إن الواقعة، الواقِعة في الجرود الشرقية تكاد أن تُظهر، من حيث لم يرد دعاة «المقاومة» وأهل «الممانعة» الإيرانية، نتائج استفتاء تلقائي لآراء عامّة اللبنانيين، في المشروعَين الموجودين أمامهم: مشروع الدولة الشرعية الساعية الى الاقتدار. ومشروع ضرّتها غير الشرعية التي تعب «حزب الله» وسعى ودأب من أجل تبليعها للناس وجعلها حقيقة قائمة بقوة الاقناع بعد قوة السلاح!

بل يبدو الأمر، أو يكاد، وكأنّ «حزب الله» ارتكب خطأ فرعياً كبيراً بالنسبة الى لبنان، فوق أخطائه المألوفة، عندما قرّر «حسم» موضوع جرود عرسال، بما يتناسق مع خرائط توزيع القوى في سوريا، والتي أنتجت من ضمن نتاجات كثيرة، قرار تصفية الجيوب الداخلية في منطقة نفوذ إيران وتابعها الأسد.. بعيداً عن المنطقة الجنوبية وخطوط التماس مع إسرائيل.

نفَخَ حتى انفلقت الأوداج، في «انتصار» الجرود العرسالية. ونَجَح في إشاعة دور «المحرر» وليس المورّط. وتشاطَرَ في لعبة الإعلام والتعبئة حتى كاد يُنسي الكثيرين أنّه مشكلة وليس حلاًّ. وأزمة مفتوحة وليس خاتمة الأحزان! وإنه جزء من مشروع إيراني واسع وفضفاض قبل أن يكون أي شيء «وطني» لبناني آخر! لكنه لم يحسب تماماً تتمة السعي. وافترض شيئاً، من الانكفاء عن إكمال المعركة ضد «داعش» و«تركها» للجيش وحده، لكنّه حَصَد أشياء لم ترد على البال ولا على الخاطر!

وبغضّ النظر عن القراءة السياسية للواقعة الدائرة راهناً.. وعن التوظيفات التي سعى إليها إيرانياً وأسدياً، ومن خلال الاندحاش في «الحرب العالمية على الإرهاب» فإن «حزب الله» خشّب بيديه ما ظنّه ذهباً! وبدلا من ترسيخ أنشودة «شعب وجيش ومقاومة» بعد الرّك الافتعالي لتسويقها في غير بيئته، وعلى مدى سنوات وسنوات، لمَعَت وظهرت وسرت وشاعت، عفوياً وتلقائياً أنشودة «شعب وجيش ودولة» بعد ساعات قليلة من إطلاق الجيش معركة الجرود.

.. من دون مبالغات وتفنيصات وتركيبات وغوايات وغوغائيات. وبأكبر قدر ممكن من التبسيط، بَطَحَ يومان من المعارك العسكرية للجيش «جُهد» سنوات وسنوات في الميدان والسياسة والإعلام لـِ«حزب الله»! وبدت فطرة غالبية اللبنانيين أمتن وأعند من التلقين والتّعليب والضخّ الإعلامي الحزبي التعبوي المستدام.. حتى في بيئته خسر «حزب الله» معركة القلوب أمام الجيش! وهي ليست معركة عادية وإن كانت عاطفية! ولا مقطوعة عن سياق منطقي عقلي مفاده أنّ غالبية كاسحة من الناس في لبنان (وغير لبنان)، تعتبر جيشها الوطني عمود أمنها واستقرارها وسيادتها. وتنظر الى الميليشيا المسلّحة غير الشرعية وغير النظامية، أيّاً تكن «قداسة» قضاياها، باعتبارها أمراً طارئاً في أحسن الحالات. ودلالة كوارث وبلايا في أسوئها. وتعبيراً خطيراً (مسلّحاً) عن انكسار سلطة القانون، أو عن انكسار السلطة والقانون معاً، واستفحال الفوضى والجريمة.. والأمران صنوان لا يفترقان!