يقدّم الشيخ هاشمي رفسنجاني شهادة غير مألوفة في زمن التكفير المألوف. ويرمي حجراً في بركة ادّعى أصحابها، ويدّعون، انهم أبرياء ولا يتحمّلون أي وزر أو مسؤولية في وصول مواصيل العرب والمسلمين الى سقف(؟) «داعش» وما دونه من أوبئة وسموم تفتيتية مدمّرة أسيدية وحارقة!
إدعاء البراءة في الشأن المذهبي التحريضي الدائم والممنهج الى حدّ تحوّله طقساً اجتماعياً في إيران، هو أمر موازٍ ومشابه لادعاء البراءة في الشأن السياسي الميداني الذي دأبت «الجمهورية الاسلامية» على اعتماده بتصاعد تلا انتهاء حرب الخليج الأولى مع العراق في أواخر ثمانينات القرن الماضي، ولم ينته بعد!
وما أشار إليه الشيخ رفسنجاني، وبشجاعة أدبية تليق به وبالمميزين والاستثنائيين، عن أن (بعض) أسباب صعود «داعش» و«القاعدة» وما شابه وماثل، يكمن في طقوس الأداء المواجه، وفيه «ثقافة» شتم الصحابة و«الاحتفال» بيوم مقتل الخليفة عمر بن الخطاب، يشبه نظرياً وضميرياً، حملة مواجهة التكفير والإرهاب، المنطلقة على مداها، من السعودية إلى مصر، إلى كل المنظومة السنّية الرسمية والشعبية في معظم ديار العرب والمسلمين.. لكنه (قول الشيخ رفسنجاني) يذهب في النقد الذاتي إلى نواحٍ كان الوصول إليها، ولا يزال، مستعصياً وغير مأنوس ولا مضمون التبعات، لأي مسؤول أو باحث أو مهموم بالمصائر العامة، في إيران وغيرها.
وكثيرة الأمثلة التي تدل على ذلك الاستعصاء وتبعاته. من السيد الراحل محمد حسين فضل الله في لبنان، الى الشيخ حسين منتظري في إيران. الأول مثل الثاني، خرَق «الإجماع» حول ولاية الفقيه وحَصَد العلقم ثمناً لمواقفه.. وفي الواقع، فإن الاثنين، وفضل الله أكثر من منتظري، دفعا ثمن وضع شيء من العقل في مكان الكثير من الغلوّ، وخصوصاً في شأن بعض الروايات الشيعية المقدّسة ومنها واقعة كربلاء.
لكن الموضوع الراهن، أشمل ويطال الشأن العام وليس الخاص فقط.. وباعتبار ان حالة الاستنفار الراهنة، إسلامياً وعربياً غير مسبوقة تبعاً لوصول الحالة التكفيرية الإرهابية إلى ما وصلت إليه. ثم تبعاً لإصرار النهج الرسمي الإيراني على توظيف ما يحصل، أي الفتنة الكبرى إيّاها!، في السياسة والطموحات الجامحة! وعلى إشاعة نَفَس نقدي جذري لاذع (وظالم) يجعل من النكبة الراهنة نتيجة لمعطى ديني واحد موجود في السعودية! في حين أن كل الباقي، بريء نصّاً وأداءً، في الفقه والسياسة كما في التاريخ وعلم الاجتماع؟!!
لم يصل الشيخ رفسنجاني الى مرحلة الإشارة الانتقادية إلى قصّة خلط المعطى القومي بالمعطى المذهبي، ولا إلى التماثل القائم في الوجدان الإيراني بين القادسية وكربلاء، وبين رستم والإمام الحسين، لكنه يقول من خلال إضاءته على تلك المثلبة القائمة من خلال شتم الخليفة عمر (وتكريم قاتله أبو لؤلؤة!) إن التصدي للنكبة الفتنوية غير المسبوقة منذ واقعة صفّين، يفترض أن يكون عميقاً بمقدار عمق هذه النكبة، أو لن ينجح أمر الصدّ ولن تُربح الحرب على التكفير والإرهاب.
وبداية الأداء المفترض، لا تكون إلا بتظهير تلك المسلّمة القائلة ان الحق الذاتي التام هو وهم تام. وان توزيع نسب المسؤولية يستوجب ميزان العدل والقسطاس. وذلك يعني أن ينظر كل طرف في إنائه بتمعن ورويّة، قبل أن يدّعي رؤية غبار في إناء غيره! والله أعلم!