IMLebanon

في تصويب الرمي..

 

تلعن إيران الساعة التي انتُخب فيها دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة! ومعها حق تام في ذلك وفي أكثر منه خصوصاً وأنّ الرجل الآتي من عالم المال والأعمال إلى أخطر منصب في العالم، أثبت أنّه يقدّم أداء محسوباً على المسطرة! ويقيس الأمور والمواقف مثلما يقيس التاجر أرباحه وخسائره ويتصرّف استناداً إلى النتيجة.. ولا شيء آخر!

 

وفي هذا العالم «الرقمي» لا مجال للاستطراد.. الأرقام جليدية ولا تذيبها التمنيات! والحقائق الحسابية ناشفة ولا ترطّبها أو تخفّف منها ردحيّات دخيلة ذات صلة ما بالمُثل العليا أو السفلى! ورئيس أميركا وظيفته الأولى أن يحافظ على مصالح أميركا وريادتها وأولوياتها بغضّ النظر عن الحواشي أكانت هذه تتعلّق بحلفاء أو أصدقاء أو أخصام أو أعداء!

 

لكن «الموضوع» ليس ترامب، إنما فلاديمير بوتين!

 

إيران تواجه الرئيس ترامب في النتيجة، لكنّها في الأسباب الموصلة إلى هذه النتيجة وإلى غيرها (في سوريا مثلاً!) عليها أن تواجه الرئيس الروسي الذي يُقال (والقول قضية كبرى في واشنطن) أنّه «ساهم» مساهمة حقيقية في التدخل لتعديل مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة المرشح الجمهوري ضد المرشّحة الديموقراطية هيلاري كلينتون!

 

ولا زلت أتذكر مثلما يتذكر غيري، أنّ «الجماعة الممانعة» ولأسباب لها علاقة بالوضع السوري أساساً، زغردت فرحة لهزيمة كلينتون! وتنفّست الصعداء لوصول «صديق» بوتين إلى البيت الأبيض! باعتبار أن المرشّحة الديموقراطية كانت صاحبة برنامج عمل لا يسرّ خاطر رئيس سوريا السابق بشّار الأسد وحُماته! وهي استقالت من منصبها كوزيرة خارجية لأسباب عدّة منها اختلافها الشديد مع رئيسها السيّئ الذكر باراك أوباما ومع «أسلوبه» في مقاربة النكبة السورية وإفرازاتها. بل هي حكت علناً عن أنّ «داعش» هو أحد إفرازات السياسة السيّئة لأوباما تجاه الأسد وجرائمه الكيماوية وتجاه إيران على حدّ سواء! ويُضاف إلى ذلك، أنّها كانت تملك برنامجاً واضحاً إزاء الروس يتناسق مع المألوف التاريخي للسياسة الأميركية، ومع المستجدات التي طرأت مع بوتين، أكان لجهة ضمّ شبه جزيرة القرم أو التدخل في شرق أوكرانيا، أو مشاريعه (المعلّقة!) إزاء دول البلطيق الثلاث! أو إزاء الاتحاد الأوروبي في الإجمال.. حتى أنها لم تتردّد مرّة في وصف بوتين بأنه «هتلر صغير»!

 

لم «تفرح» إيران كثيراً بخسارة كلينتون، ولم تخفِ توجّسها من وصول ترامب إلى «البيت الأبيض»، وهي كانت السبّاقة إلى التحذير من أنها لن تتردد في تمزيق «الاتفاق النووي» إذا وضع ترامب مواقفه موضع التطبيق.. الأرجح أنها راهنت على «تدخّل» «حليفها» الروسي لردع «عدوّها» الأميركي، قبل أن يتبيّن أنها خسرت الرهان!

 

أي أن المصدر الأولي لمصيبتها في ترامب، هو بوتين! ومرة جديدة: الاستنتاج جدّي وليس مزحة! ولا شغل في واشنطن منذ مطلع 2016 إلى اليوم يعلو على التحقيقات الجارية في ما يسمّى «التدخل» الروسي في الانتخابات الرئاسية!

 

والأنكى من ذلك والأنكر أنّ بوتين مثلما يتبيّن من تطوّر عجائب النكبة السورية، هو العامل المؤهّل لطرد إيران من سوريا! أو لتقليص «نفوذها» أكثر فأكثر! وحشرها بالتالي في خانة أبرز الخاسرين بعدما ظنّت أنها أوّل الرابحين! وبعد أن دفعت ما دفعت مادياً وبشرياً و«أخلاقياً» ليتبيّن لها الآن أنّ سلّة «استثماراتها» في «القطر الشقيق» مفخوتة على وسعها! وأن المعروض عليها هو: إما أن تخرج على الناعم من خلال «الحليف» الروسي، وإمّا أن تخرج على الحامي من خلال مواجهة غير متكافئة (ولا تريدها) مع إسرائيل وبرعاية أميركية مباشرة وواضحة.

 

.. وكأنّ لسان حال صاحب الشأن في طهران يقول: مَن لديه «حليف» مثل بوتين لا يحتاج إلى «عدوّ» مثل ترامب!… أم ماذا يا فطاحل «ممانعة» آخر زمن؟!