IMLebanon

في «الموت السوري»

تزداد تعقيدات النكبة السورية ولا تنقص. وكلما مرّ يوم إضافي عليها تفرّعت تداعياتها وتأثيراتها أكثر فأكثر باتجاهات جديدة وأبعد من حدودها الجغرافية والمنطقية!

وفحل استراتيجي باب أول، من يمكنه ان يضع هذه الدربكة الدولية ازاء تلك النكبة في سياق منطقي واحد. بل صار الأمر يشبه رقّاص الساعة: لا يثبت في مكانه، والا ضاع الوقت ووقف الزمن وقفة مأزوم وجودي!

عيّنة سريعة: يوم تقول الأنباء ان روسيا عدّلت موقفها من بقايا سلطة الاسد باتجاه ملاقاة المنطق التسووي القائم على «جنيف واحد«، أي حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تليها انتخابات من دون الطاغية. ويوم آخر تقول العكس، أي على غرار ما «أوضحه« وزير الخارجية سيرغي لافروف بالأمس من أن حديث التغيير المذكور هو تأليف وتحريف لا صلة لهما بالحقيقة.. ويوم يقول قائل اميركي، ان الحرب على «داعش» هي الأولوية، ثم يقول قائل آخر ان تلك الحرب عبثية من دون الانتهاء من قصة الأسد.. ويوم تقول أنقرة انها دخلت الحرب ضد الارهاب وفي مرماها إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري ثم تقول في يوم آخر كلاماً آخر يفيد بأن الأمر لا يزال قيد الدرس ومحور تفاوض مع الاميركيين.. ويوم يقول قائل بأن الجبهة الجنوبية تحركت ثم يقول قائل آخر في يوم آخر، انها تكربجت!

في وسط ذلك كله، هناك ثابتتان لم تتغيرا: الاولى موقف المملكة العربية السعودية القاطع والحاسم من الاسد وطغمته، والثانية موقف قيادة ايران المعاكس، اي الذي لا يضيره في شيء ان تصير سوريا خربة طالما ان «حليفها» سيبقى الديك على تلك الخربة!

والواضح في الاجمال، ان الموقف الاميركي هو المصدر الوحيد لـ»الثبات» الايراني، والتقلّب (الشكلي) الروسي، والارتباك التركي! أي ان غياب إرادة الفعل عند إدارة أوباما سمح لموسكو وطهران بتعبئة الفراغ. وجعل انقرة تقول الشيء ثم عكسه في غضون ساعات!

لكن مستجدات الايام الماضية تشي بشيء أكبر من ترف تعبئة الفراغ بالنسبة الى موسكو. حيث يتبين ان ما نشرته الصحيفة الاسرائيلية «يديعوت احرونوت» عن تطوير مفاعيل التدخل الروسي في سوريا، لم يكن تأليفاً ولا تخريفاً ولا تحريفاً! بل حقائق وان كانت لم تتوضح تماماً بعد.

وذلك بدوره مدعاة لاستغراب وعصيان على المنطق: هل يمكن ان تكون واشنطن جاهلة بما يحصل؟ وهل يمكن ان تكون معلومات صحيفة إسرائيلية أدق وأشمل من معلومات أجهزتها وجيوشها ودوائرها واستخباراتها وغرف عملياتها وطيرانها وأساطيلها ورقاباتها وأقمارها السماوية والأرضية وحلفها الأطلسي؟! والأسوأ من جهلها ذاك: هل تعرف واشنطن ما الذي يحصل تماماً (وهذا الأرجح) وتلعب دور الغاشي والجاهل تبعاً لاستنكافها السلبي؟! وهل يتضمن ذلك الاستنكاف غضّ النظر عن تغيير خطير في ثوابت وشروط المواجهة عند أبواب اوروبا الأطلسية؟! أم ان ما يحصل في مجمله لم يتعدّ بعد دائرة الزوبعة في الفنجان، ولم يتغير شيء فعلي وميداني روسي في سوريا يستدعي القلق والتنبه والاستنفار الاميركي؟ أم ان كل ما يحصل يؤكد ان كل يوم بيومه! وان الدربكة في ذراها، والارتباك ضارب في كل اتجاه وسيد في كل مقام؟! أم ان المنطقة العربية والاسلامية، ومن ضمنها النكبة السورية اسيرة استراتيجية الاستنكاف الأوبامية وفخّار يكسّر بعضه؟! أم ماذا؟!

من يرسو على برّ الجواب يحصل على جائزة صاحب «أدق توصيف» لمعنى الموت السوري المديد هذا..!