IMLebanon

في العبث التعطيلي

 

فقط في بلد مثل لبنان، ومع تركيبة سياسية مثل التي يقودها «حزب الله»، يمكن لتنظيم سياسي أن يقول الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، وأن يطوّع البيان الخاص به، والنص الدستوري (العام) على السواء، وفقاً لأهوائه ومتطلباته وطموحاته.. ولا يخجل في ذلك ولا يطلب الستر. بل يتشاوف ويلعب دور الاستشرافي الذي يرى ما لا يراه العوامّ من الناس.

تيار النائب ميشال عون ضد التمديد لمجلس النواب ومع إجراء الانتخابات التشريعية فوراً، لكنه لا يقل تصميماً (وإصلاحاً وتغييراً) على رفض إجراء انتخابات رئاسية تنهي فضيحة الفراغ في الموقع السيادي (المسيحي) الأول في لبنان!

لا ترمش عيون الإصلاحيين العونيين إزاء تلك الازدواجية الواردة في جملة واحدة، بل العكس، تنفتح على وسعها تبعاً لترسّخ عادات وتقاليد وممارسات أطلقها الوصي السوري واعتمدها على مدى سنوات، وكان الظن (البريء) أنها ستنتهي بانتهاء وصايته، فإذ بها تأخذ أشكالاً، هي أخطر، في المقام الأخير، مما سلف.

كان ذلك الوصي، باعتباره وصياً على قُصّر، يقرّر ما يناسبه أولاً، ثم يطوّع النص الدستوري والأعراف وفقاً لذلك.. آخر همّ من همومه كان ترسيخ مفهوم الفصل بين السلطات أو الأخذ بما يفرضه الدستور، أو تقديم ما يلزم من فرائض الاحترام للعمل المؤسساتي وطرقه، وللبنانيين وإرادتهم، توصّلاً في النهاية إلى تثبيت معادلة منحوسة لا تزال قائمة عندنا فيما هي انهارت في سوريا: في الطريق إلى السلطة والقبض عليها، لا يُعتمد النص الدستوري إلاّ في الشكل. أما المضمون فللقوة والإكراه والفرض، زائد (في الحالة اللبنانية) الابتزاز التعطيلي طالما أن بدائل الأرض تشلّع تلك الأرض ومن عليها دفعة واحدة!

أمكن لفظاظة الوصي السوري وسياسته الإلحاقية أن تحيلا الدستور إلى مسخرة. والمؤسسات الشرعية إلى متممات لا تخرج عن ذلك النصّ! لكن المفارقة (مثل النكبة بالمناسبة) هي أن ذلك الوصي أفل، لكن طقوسه وعاداته وتقاليده بقيت وانتقلت بوقاحة (فذّة!) إلى وَرَثته وامتداداتهم العابرة فوق التاريخ والجغرافيا والقيم والمثل، وصولاً إلى إيران.

يعبّر النَفَس التعطيلي العوني المسنود أو الساند، لمتطلبات وسياسات وارتباطات «حزب الله» ومن خلفه إيران ومصالحها وتجاراتها ومناوراتها.. يُعبّر في عمقه، عن مدى ترسّخ طبائع الاستبداد في العقل الذي يلهج بادعاء الإصلاح. وعن مدى التبرّم الجذري من التركيبة التعددية وفرائضها ومتطلباتها وشروطها (في العرف والدستور) بل عن مدى التوق الذهبي المغلّف بشعارات تنكية، للتماهي مع الطغاة وأنظمتهم وسلوكهم.

الإرث أسدي والوريث إيراني، ولبنان الضحية الدائمة، فيما المدّعي المهجوس، يدّعي كل شيء إلا حقيقته المثلى: انتهازي عبثيّ. ولا شيء آخر.