Site icon IMLebanon

في المجرِّب.. و«المبتدئ»

ربما يكون محقاً الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في وصفه دونالد تراب بـ«المبتدئ» الآتي من خارج السياسة، والذي سيحتاج الى بعض الوقت كي يتعلم الصنعة.. الخ، لكن ليس من مقوّمات الاحتراف وطول الباع وعمق التجربة تجاهل أو تبسيط أو تسخيف «المخاطر» الكبيرة التي يحملها الرئيس الأميركي «المبتدئ» على إيران وسياساتها.

كما ليس من مقوّمات الحصافة في شيء التشبه بالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل كلما لاح خطر في وجهها، على ما تشي به تصريحات الشيخ روحاني… أو تجاهل حقيقة أن الادارة التي شكّلها ترامب تضجّ بمخضرمين محنّكين معبئين مؤدلجين حتى النخاع ضد إيران وكل ما تفعله، بل أن بعضهم مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس يعرفها تماماً وعن قرب!

وعاين على الأرض، في العراق تحديداً، طبيعة تمدداتها ونفوذها الخارجيَّين! فيما لا يخفي مدير وكالة الاستخبارات مايك بومبيو ولا زميله مستشار الأمن القومي الجنرال (بدوره!) مايكل فلين عداءهما المفتوح لها.. ومن حيث المبدأ، قبل التفاصيل!

ثم بعد ذلك، ليس من الحنكة أبداً، ولا من الشطارة! تجاهل حقيقة أن هذه الإدارة الاميركية «باشرت العمل» فوراً ولم تنتظر ولو لساعات معدودات (مثلاً) كي ترد على إعلان إيران إجراء تجربة صاروخية بما يتعارض مع قرار مجلس الأمن الرقم 2231.

مثلما لم تتأخر في إدانة الاعتداء الإرهابي على الفرقاطة السعودية بالقرب من ميناء الحديدة (وإن أعلنت الجماعة الحوثية مسؤوليتها عنه) واعتباره موجهاً ضدها، ثم التصرف بسرعة بما يؤكد التوجهات الأميركية القائلة بإعادة فتح أبواب التنسيق في كل مجالاتها مع دول الخليج العربي عموماً والمملكة خصوصاً، لمواجهة «النشاطات المشبوهة وتدخلات النظام الإيراني ووكلائه في شؤون دول المنطقة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها» على ما جاء حرفياً في الخبر الرسمي الذي أذيع عن الاتصال الذي تلقاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز من الرئيس الأميركي.

.. وربما يكون مفهوما التكتيك الذي يعتمده الرئيس الايراني لجهة تجاهل (أو محاولة) تجاهل الإشارات التصعيدية الأميركية، والابتعاد عن إطلاق مواقف استفزازية.. الخ، لكن ربما يكون من الأسلم لو تباشر إيران «تجاهل» سياساتها الخارجية الراهنة! وتبتعد فعلياً عن النسق العبثي الذي تتّبعه منذ سنوات والذي سبّب لجوارها العربي والإسلامي أفدح الخسائر والويلات، ولم يُعطها، في كل حال، ما كانت ترتئيه في المقابل، لا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا ولا في البحرين ولا إزاء السعودية وأمنها ومكانتها ودورها.

ولا مبالغة في الافتراض، بأن المبادرة في يد إيران. والخطوة الأولى مطلوبة منها وليس من غيرها. وفي استطاعتها تحويل المأزق الى فرصة، والذهاب سريعاً الى الأخذ بالواقع الراهن على الأرض، بدل الاستمرار في التحليق في سماء الأوهام المدمرة، والعودة بالتالي الى لغة العقل والمصالح وإيثار منطق الدولة على ما عداه، والالتزام بمقتضيات العلاقات بين الدول وشروطها والكفّ عن الازدواجية التي تتبعها (منذ سنوات!) والتخلي عن فرَضيّة أن تخريب الخار ج يرسّخ استقرار الداخل!

.. هناك مرحلة جديدة مع إدارة أميركية جديدة. ولا يحتاج الأمر الى اختصاص في الفيزياء النووية لتحديد توجهاتها وسياساتها وخياراتها، ولا المكابرة إزاءها، ولا محاولة التذاكي في «قراءتها»، أو ادّعاء الحنكة في مواجهة صاحبها.. «المبتدئ»!!